المواطن الرابع
كنتُ في مجلس صديقي، وتعرّفت إلى إخوانه العشرة فقلت له مازحاً: «وأنت مُكتفٍ بثلاثة أبناء؟ كن مثل أبيك واجعلهم أكثر»، ابتسم وقال: من يُنجب الرابع اليوم يغامر براحة بيته. فكّرت: لو ذابت هذه التحديات، هل ترتفع نسبة الخصوبة في الإمارات التي تُعدّ من الأدنى في العالم؟ فالمواطنون اليوم لا يتجاوزون 11% من إجمالي سكان الدولة، ومع ذلك مازالت أسباب العزوف عن إنجاب أكثر تتراكم دون حل شامل. الطفل الرابع يعني سيارة أكبر، وغرفة أضيق، وملحقاً لا يتسع للجميع في بيت الوالد، أو شقة ترتفع أجرتها. تفاصيل تبدو صغيرة لكنها تصنع القرار الكبير: أن يتوقف العد عند الثالث.
وحين تضيف قوانين القطاع الخاص التي تمنح بدلات التعليم والتأمين الصحي غالباً لثلاثة أبناء فقط، يصبح «المواطن الرابع» عنواناً دقيقاً لمشكلة اجتماعية تمسّ الجميع، خصوصاً أن معظم الجهات الحكومية لا تُقدّم هذه البدلات.
بيئة الأسرة الإماراتية تحتاج إلى تناغم لا إلى صراع، فحين تعمل الزوجة في الإمارة نفسها، ويُعاد تنظيم ساعات دوامها لتعود قبل العصر، تنشأ بيوت أكثر دفئاً واستقراراً. وحين تُقدّر المؤسسات الأم العاملة وتمنحها مرونة في العمل عن بُعد كما فعلنا في زمن «كورونا»، ستزدهر فكرة زيادة الإنجاب من جديد. أما بدل الأبناء البالغ 600 درهم، فلم يعد حافزاً واقعياً، فلو ارتفع المبلغ تدريجياً مع كل مولود، لتحوّل إلى تشجيع فعلي لا إلى رقم رمزي. وفي ملف الإسكان تُستقطع أحياناً 20% من الراتب لقرض لا يقل عن 800 ألف درهم، فيُرهق الشاب بين الدين الإضافي وحلم المنزل. ولقد تسللت فكرة الأسرة الصغيرة الإماراتية التي جاءت من نموذج «عائلات الأجانب»، ونحن لا نريد أن «تُعشش» هذه الفكرة في رؤوس الأسر الجديدة. لقد نجحت مبادرات محلية عدة في تقديم حلول نوعية، وكم نتوق لأن تُعمّم في مشروع اتحادي يُعالج جذور المشكلة. وعندما تُدرك المؤسسات أن كل طفل جديد ليس عبئاً على الميزانية، بل استثمار في الغد، سيتغير المزاج العام من «الاكتفاء» إلى «الازدهار». وحين تخاف الأسرة الإماراتية من طفل رابع، فإن المشكلة ليست في الإنجاب، بل في الأسباب.
*إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.