التقارير العقارية.. بين القراءات العابرة والقراءات الفنية
سأبدأ موضوعي اليوم بسؤال جوهري: هل القراءات الإعلامية لمختلف التقارير الاقتصادية، وعلى رأسها التقارير العقارية كمثال، كافية لفهم الصورة الكاملة للسوق أو القطاع المعني بها؟
إذا كانت أجابتكم نعم، فلماذا أصبحت معظم القنوات الإعلامية العالمية والمحلية تلجأ إلى استضافة خبراء متخصصين لإثارة فكرة معينة بأحد التقارير الصادرة؟
وإذا كانت إجابتكم لا، فهذه هي الإجابة الصحيحة، بالتأكيد لا، وسأوضح لكم الأسباب بالتركيز على التقارير العقارية. على سبيل المثال، تقرير عقاري يشير إلى وجود شواغر بنسبة 10 أو 15% مثلاً بالعقارات السكنية في منطقة معينة، القراءة الإعلامية لهذا التقرير تكتفي بنقل الرقم وذكر بعض الأسباب، القارئ يراها كفكرة عامة، وأن المعروض متوافر. أما القراءة الفنية المتخصصة فهي تذهب أبعد من ذلك، وترى في هذا الرقم خلفيات ودلالات حقيقية يجب ألا نتجاوزها، باعتبارها مهمة، يبحث فيها الخبير المتخصص عن العوامل التي أدت إلى ذلك، وانعكاساتها على قرارات الشراء أو التطوير أو الاستثمار خلال السنوات المقبلة في هذه المنطقة، وهل هذا مؤشر على تحول نوعي في الطلب؟
وهنا يبرز الفرق بين القراءتين، حيث إن الإعلامية تقدم المعلومة في شكلها البسيط لتصل إلى الجمهور، أما القراءة الفنية فتستهدف القرار الاستثماري الصحيح، وتساعد على توضيح بعض النقاط وكيفية تجنّب المخاطر واغتنام الفرص.
في مختلف قطاعات الاقتصاد عموماً، الخبرة الفنية ضرورية، لأنها تحوّل المعلومة من مجرد رقم إلى رؤية استراتيجية، ومن مجرد خبر إلى أداة لاتخاذ القرار، لأنها تمتلك مهارات وأدوات التحليل، ولهذا من المهم جداً أن تعرض التقارير على خبراء ومستشارين قادرين على قراءتها بعمق قبل نشرها.
في السوق العقارية، تتدفّق يومياً عشرات التقارير والأرقام والإحصاءات التي تعكس حركة البيع والشراء، نسب الإشغال، اتجاهات الأسعار، وتوقعات المستقبل، والخبير الفني هو من يدرك أن الرقم الذي صدر اليوم أو أمس، ليس مجرد إحصائية، بل انعكاس لعوامل اقتصادية وسياسات حكومية واتجاهات استثمارية، يمكن من خلالها إزاحة الضبابية عن العديد من الأفكار وإعادة توجيهها نحو مسارها الصحيح، كما يمكن من خلالها تفادي الكثير من نقاط سوء الفهم، التي ستحدث ضجة في السوق لاحقاً، القراءة الفنية وحدها ما يحول التقارير العقارية أكثر من مجرد بيانات، إلى خطط استراتيجية تدعم النمو وتضمن استثمارات آمنة وذكية.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.