تحول لافت

وليد الزرعوني

تشهد إمارة دبي اليوم تحوّلاً لافتاً في طبيعة الطلب على عقاراتها، حيث لم يعد السوق محكوماً فقط بصفقات استثمارية سريعة تستهدف تحقيق عوائد رأسمالية أو إيجارية، بل باتت الغلبة للإقبال السكني من أفراد وعائلات يسعون إلى الاستقرار طويل الأمد في الإمارة.

ووفقاً لتقرير «دبي سوثبيز إنترناشونال ريالتي»، شكّلت المشتريات بهدف الحصول على مسكن رئيس 55% من إجمالي الصفقات، متقدمة على الاستثمار الذي جاء في المرتبة الثانية بنسبة 34%، بينما لم تتجاوز حصة منازل العطلات 11%.

وتبرز هذه المعطيات تغيراً جوهرياً في دوافع الشراء، حيث أصبح التركيز منصباً على السكن والمعيشة المستقرة، أكثر من البحث عن عائد موسمي أو استثماري سريع، وهو ما يعكس انتقال دبي إلى مرحلة جديدة، تتجاوز صورتها كوجهة سياحية أو منصة مالية، لتكرس مكانتها كمدينة للحياة اليومية والإرث العائلي.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل تغذيه عوامل محلية ودولية متشابكة. فمن جهة، توفر دبي بيئة معيشية آمنة ومستقرة، مدعومة ببنية تحتية عالمية المستوى، وتشريعات مرنة تتيح التملك للأجانب، فضلاً عن جودة التعليم والرعاية الصحية.

ومن جهة أخرى، تبرز متغيرات خارجية، مثل التغييرات الضريبية في المملكة المتحدة، التي دفعت البريطانيين لتصدر قائمة المشترين، إلى جانب الإقبال المتزايد من الأوروبيين، خصوصاً من فرنسا وإيطاليا وسويسرا، بدوافع مشابهة تتعلق بالضرائب والاستقرار المالي. كما حافظ المشترون من الهند وروسيا وتركيا على حضورهم القوي، فيما دخلت أسواق جديدة، مثل الولايات المتحدة وقبرص، على خط الطلب.

اللافت في الأمر أن التركيبة العمرية للمشترين تميل إلى الفئات الأكبر سناً، ما يؤكد أن العقار في دبي يُنظر إليه اليوم كأصل آمن وملاذ للأسر، أكثر من كونه صفقة قصيرة الأجل.

ومع صعود قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدرهم وتراجع الدولار، تزايدت جاذبية الإمارة للمستثمرين الأثرياء الباحثين عن مزيج من العائد الاستثماري والاستقرار المعيشي.

وبذلك يمكن القول إن دبي تُعيد رسم ملامح سوقها العقارية، حيث يتقدم السكن والاستقرار على المضاربة والاستثمار قصير الأجل، ما يعكس تحول الإمارة إلى مدينة عالمية للحياة بقدر ما هي مركز مالي وتجاري.

* رئيس مجلس إدارة «شركة دبليو كابيتال للوساطة العقارية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

تويتر