الصحة الرقمية في الإمارات.. نقلة نوعية في الخدمات

جابر محمد الشعيبي

يشهد القطاع الصحي في الإمارات تحولاً متسارعاً نحو الرقمنة، يعكس رؤية الدولة في بناء اقتصاد معرفة قائم على الابتكار وتحسين جودة الحياة، فقد أعلنت الجهات المختصة أن جميع تراخيص الممارسين الصحيين سيتم توحيدها ورقمنتها بالكامل بحلول عام 2026، وهو ما سيشمل أكثر من 200 ألف محترف صحي، ما يعزّز كفاءة المنظومة الصحية ويضع الإمارات في طليعة الدول المستثمرة في الصحة الرقمية.

ولا يقتصر هذا التحوّل على تسريع الإجراءات الإدارية، بل يمتد إلى جوهر الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، فوجود منصة موحدة للتراخيص والبيانات الطبية، يعني تكاملاً أكبر بين المستشفيات والمراكز الصحية، وسهولة انتقال السجل الطبي للمريض أينما كان داخل الدولة، بما يختصر الوقت ويقلل من الأخطاء. كما أن الصحة الرقمية تفتح الباب أمام استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر للأمراض وتحليل البيانات الضخمة لاكتشاف أنماط تساعد على الوقاية، ما يحوّل الرعاية الصحية من علاجية إلى استباقية.

وتشير التقديرات إلى أن سوق الصحة الرقمية في الإمارات بلغت نحو 745 مليون دولار عام 2024، مع توقعات ببلوغها أكثر من 2.6 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو يفوق 23% سنوياً. هذا النمو يعكس ليس فقط طلباً متزايداً على الخدمات الرقمية، بل أيضاً يعكس إدراكاً رسمياً لأهمية هذا القطاع كمحرك اقتصادي إلى جانب كونه خدمة مجتمعية. كما أن هذا التوجه يعزّز مكانة الإمارات كمركز إقليمي لتكنولوجيا الصحة، ويتيح لها أن تقدم تجربتها كنموذج تحتذي به دول المنطقة.

ومع ذلك، تبرز تحديات لابد من التعامل معها، أبرزها حماية البيانات والخصوصية، وضمان جاهزية الكوادر الطبية للتعامل مع المنصات الرقمية. ومن هنا يمكن طرح ثلاث توصيات عملية، أولاً: تعزيز البنية التحتية الرقمية وربط الأنظمة الصحية ببعضها. ثانياً: الاستثمار في تدريب وتأهيل الأطباء والممرضين على الأدوات الرقمية. ثالثاً: وضع تشريعات قوية لحماية البيانات وبناء الثقة بين المريض والنظام الصحي الرقمي.

إن الرقمنة الصحية ليست مجرد تحديث إداري، بل هي رؤية استراتيجية تنسجم مع توجه الإمارات لتعزيز جودة الحياة وتحقيق الريادة العالمية، فالمواطن هو المستفيد الأول من خدمات أسرع وأكثر شفافية، فيما تترسّخ سمعة الدولة كمركز عالمي للرعاية الصحية المبتكرة. وهكذا تتحوّل الصحة الرقمية إلى قصة نجاح جديدة تُضاف إلى سجل الإنجازات الوطنية، وتؤكد أن الاستثمار في الإنسان والابتكار والشراكات الدولية يبقى جوهر مشروع الإمارات للمستقبل، ورسالة تلهم المنطقة والعالم في مسار التحوّل الصحي.

@AlshuaibiJaber

Jalshuaibi@hotmail.com

مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر