ماذا بعد صيف درجات الحرارة القياسية؟

جابر محمد الشعيبي

شهد العالم في صيف 2025 موجات حر غير مسبوقة، حطّمت أرقاماً قياسية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. هذا الواقع المناخي المتسارع لم يعد حدثاً عابراً، بل جرس إنذار متكرر يضع ملف الطاقة المستدامة في صميم أولويات الحكومات. وبالنسبة للإمارات، فإن التغيّر المناخي لا يُشكّل تحدياً فقط، بل يُمثّل فرصة استراتيجية لتعزيز موقعها قوةً مؤثرةً في مشهد الطاقة الجديد، فقد أدركت الدولة مبكراً أهمية التحول، فأطلقت مشاريع رائدة، وتوسعت في استثمارات الطاقة الشمسية والنووية السلمية، وصولاً إلى استضافة مؤتمر «كوب 28» الذي رسخ مكانتها مركزاً عالمياً للحوار المناخي.

وفي قلب هذه الجهود، تبرز دبي، التي كرّست مكانتها عاصمةً اقتصاديةً وسياحيةً عالميةً، نموذجاً متفرّداً، لتسعى في الوقت نفسه إلى أن تكون عاصمة للطاقة النظيفة.

ويُعدّ «مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية» أحد أضخم المشاريع من نوعه عالمياً بطاقة متوقعة تصل إلى 5000 ميغاواط بحلول 2030، كما أطلقت دبي استراتيجية طموحة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، ترتكز على دمج الطاقة المتجددة في البنية التحتية الحضرية، والنقل الذكي، والصناعة.

تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن حصة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإماراتي تجاوزت 27% في عام 2024، مع خطط لرفعها إلى 50% بحلول 2050. هذه الأرقام لا تعكس التزاماً بيئياً فحسب، بل تُجسّد أيضاً رؤية اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وترسيخ مكانة الإمارات شريكاً رئيساً في أسواق الطاقة النظيفة.

ولكي تنتقل الإمارات فعلياً إلى «اقتصاد أخضر» متكامل، فإن المسار يتطلب ثلاث خطوات مترابطة، أولاً: الاستثمار العميق في البحث والتطوير لإنتاج تقنيات محلية في مجالات مثل تخزين الطاقة والهيدروجين الأخضر، بما يحول الدولة من مستورد للتكنولوجيا إلى مصدر لها، وثانياً: توسيع الشراكات الدولية بما يضمن فتح أسواق جديدة للطاقة المتجددة الإماراتية، خصوصاً في أوروبا وإفريقيا وآسيا. وثالثاً: إدماج الطاقة النظيفة في الصناعات المحلية الثقيلة، مثل الألمنيوم والبتروكيماويات، لتصبح الإمارات نموذجاً عالمياً في تقليل الانبعاثات، وتعزيز القيمة المضافة.

إن موجات الحر التي ضربت العالم، تؤكد أن المستقبل لمن يملك التكنولوجيا والمعايير والأسواق في قطاع الطاقة المتجددة. وصيف 2025 الحار يحثنا على الإسراع في بناء اقتصاد أخضر متكامل، حيث أثبتت الإمارات قدرتها على الجمع بين الطموح والتنفيذ، وأنها تملك القدرات التنفيذية لتكون في طليعة القوى التي ترسم مستقبل الطاقة العالمي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر