سبع دوخات
تتصل ببنك لتنجز معاملة بسيطة، أو بشركة أو جهة ما فيستقبلك الرد الآلي - المفترض أنه ذكي - عندها تبدأ رحلة «السبع دوخات»: ضغط متواصل على الأزرار، تكرار للكلمات حتى يتعرّف إلى بصمتك الصوتية، وانتظار لا ينتهي. وبعد ربع ساعة، وربما أكثر، ينتهي بك الأمر بلا نتيجة، وتغلق الخط غاضباً وكأنك خرجت من اختبار أعصاب لا يرحم.
هذه الدوامة ليست مجرد انزعاج.. هي باب مفتوح للاحتيال، وقد حذّر مجلس الأمن السيبراني نفسه من أن مكالمة واحدة قد تترك حسابك البنكي بلا رصيد لو أفصحت عن بياناتك، والمشكلة أن أكثر من يقع في هذا الفخ، هم كبار السن، لأنهم الأضعف في مواجهة الرسائل الغامضة والروابط المزورة.
فلماذا نتركهم يواجهون هذا الصداع وحدهم؟ لماذا لا نرحمهم بزر بسيط، مخصص لهم، يضغطونه فيرد عليهم موظف خدمة المتعاملين مباشرة، بعيداً عن متاهة الأزرار والأنظمة الصوتية؟ خطوة صغيرة، لكنها تحميهم من الخطر، وتشعرهم بالراحة.
نحن نرى في الكثير من المراكز والوزارات مسارات خاصة لكبار المواطنين، وكراسي مريحة، وأولوية في الانتظار، فلماذا نغفل عنهم في بعض الجهات والشركات بخدمات التقنيات الذكية، حيث أصبحت معظم الخدمات عبر التطبيقات والمكالمات؟ فمن واجبنا أن نضمن لهم سهولة لا تعقيداً، ورحمة لا مشقة، وخدمات ذكية بلمسة إنسانية.
أما المقترح الثاني فهو أوسع وأشمل: تصفير بيروقراطية التطبيقات الذكية. بعض الشركات والجهات لم تتخلص من البيروقراطية، بل نقلتها إلى برامجها الرقمية، لتدخل دوامة جديدة بدل الإنجاز السريع، وهذا يتناقض مع ثقافة تبسيط الإجراءات، فقد ألغت مبادرة «تصفير البيروقراطية» مئات الخطوات غير الضرورية، ووفرّت أكثر من 12 مليون ساعة سنوياً على المتعاملين. المطلوب اليوم أن تمتد هذه الروح إلى التطبيقات نفسها، فلا يواجه المتعامل «طابوراً إلكترونياً» جديداً، بل خدمة حقيقية تختصر الطريق، وتنسجم مع نموذج الإمارات في سرعة الإنجاز.
هذان المقترحان معاً يفتحان الطريق أمام كبار السن، ويُعززان كفاءة وسرعة الخدمات الإلكترونية لجميع المتعاملين، فالخدمات الذكية إما أن تختصر حياتنا، وإما أن تعيد تدوير البيروقراطية للخدمات بثوب جديد.
*إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه