إدارة الثقافة المؤسسية

محمد سالم آل علي

في عالم الأعمال الحديث، لم تعد الموارد البشرية مجرد قسم يُعنى بالتوظيف والرواتب، بل أصبحت القلب النابض الذي يحدد نبض المؤسسة، ويصوغ شخصيتها، ويقود تحولاتها، ومن بين جميع المهام التي يتولاها هذا القسم، تبرز مهمة إدارة الثقافة المؤسسية كأخطر وأعقد وظيفة في القرن الـ21، لأنها تتعامل مع ما لا يُقاس بسهولة: القيم، والسلوكيات، والمعتقدات، والمواقف.

الثقافة المؤسسية هي «الحمض النووي» الذي يحدد كيف يفكر الموظفون، وكيف يتصرفون، وكيف يتفاعلون مع بعضهم بعضاً ومع العملاء، وإذا كانت هذه الثقافة سامة أو غير واضحة، فإن المؤسسة بأكملها تصبح عرضة للانهيار الأخلاقي، وتراجع الأداء، وهروب الكفاءات، ففي عصر السرعة، والتنوع، والعمل عن بُعد، تواجه إدارة الثقافة المؤسسية تحديات غير مسبوقة من تعدد الأجيال، فلكل منهم توقعات مختلفة من بيئة العمل.

أما العمل الهجين فهو يتمثل ببناء ثقافة مشتركة بين موظفين يعملون من المنزل وآخرين في المكتب. وأيضاً إذا ما كانت التحولات الرقمية تعزز القيم أم تضعفها، إضافة إلى الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، حيث إن الموظفين اليوم يريدون العمل في مؤسسات لها هدف أسمى، لا مجرد أرباح.

وللتعامل مع هذه المهمة يتطلب الأمر مزيجاً من المهارات النفسية، والإدارية، والتواصلية، إضافة إلى حس استراتيجي عالٍ، وهنا يصبح لقسم الموارد البشرية دور محوري في غرس روح الإيجابية المؤسسية، حيث إن الفشل في إدارة الثقافة قد يؤدي إلى انهيار الثقة بالإدارة العليا، وبالتالي إلى خسائر مالية جسيمة.

في القرن الـ21، لم تعد أخطر وظيفة في الموارد البشرية هي فصل الموظفين أو التعامل مع النزاعات القانونية، بل أصبحت إدارة الثقافة المؤسسية هي التحدي الحقيقي، لأنها تتطلب بناء بيئة عمل صحية، عادلة، وملهمة في عالم متغير ومعقد، ومن ينجح في هذه المهمة، لا يصنع فقط مؤسسة قوية، بل يصنع إرثاً إنسانياً يستحق الاحترام.

*مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر