الربيع المُحتفى به

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يحتفي المسلمون بشهر ربيع الأول أيَّما احتفاء؛ لما كان فيه من الاصطفاء، وما فيه من فاتحة الخير بمولد سيد الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه، ما همَت السماء بالخير والعطاء، فإذا استهل شهر ربيع الأول عاش الناس في ربيع الأنس، وتعلَّقت بمن هو ربيع قلوبهم، ونور أبصارهم، إنه السيد الحامد المحمود الذي حمده أهل السماء والأرض، الذي اشتق له إله العرش اسماً من أسمائه كما قال عمه أبوطالب وقيل حسان بن ثابت رضي الله عنه:

وشَق له من اسمه ليجلَّه * فذو العرش محمودٌ وهذا محمد

هذا النبي الذي جعله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، الذي جعله الله شاهداً على من كان قبله من الأمم ورسلهم، وجعله خاتماً لرسالاته ورسله، وهادياً إلى صراطه المستقيم.

النبي الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، رحم به الأمم كلها فلم تهلك أيٌّ منها بهلكة عامة كما كان مع الأنبياء الذين كذبتهم أممهم فأهلكهم الله وهم ينظرون.

هذا النبي الذي ما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذرها منه، حتى تكون على بينة من أمرها، وتهتدي بالهدى الذي جاء به.

هذا النبي الذي عظَّم الله تعالى خُلُقه، وأحسن خَلقه، وزكى سمعه وبصره، وحفظ فؤاده، وشرح صدره، ورفع ذكره، وحفظ عقله، وثبَّت قلبه، ونشَّأه على عينه، وأدبه فأحسن تأديبه، وشد أزره، ونصره بملائكته، وبالرعب في قلوب أعدائه.

هذا النبي الذي بلَّغ رسالات ربه، ونصح أمته، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

هذا النبي الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الفساد إلى الرشاد.

هذا النبي الذي اصطفاه الله برسالاته، وأطلعه على ملكه، وتجلى عليه بجلال ملكوته، وأدناه من حضرة قدسه، وأراه من آياته الكبرى ما لم يُرِه أحداً من مخلوقاته.

كل هذه المعاني تُهيِّج ذكراها شهر وجود هذا النبي بشهر ربيع الأول؛ لأنه سبب كل خير للعالمين، فاحتفل بوجوده العالم كله؛ فالسماء حُرست من استراق السمع الذي كانت تفعله الشياطين فتلقي ما استرقت على الكهان، ليبقى الغيب لله وحده ومن ارتضاه من رسله، وأضاءت لمولده قصور الشام، وغاضت بُحَيرة ساوى، وتصدَّعت شرفات قصر كسرى، وخمدت نار المجوس بفارس، وكان قبل ذلك وهو حمل في بطن أمه سبب حماية الله تعالى لبيته الحرام من هدم ملك الحبشة له، وأهلك جيشه بطَيْر أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ.

* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر