بيتك مرآة روحك

د. كمال عبدالملك*

منذ أيام شكوتُ إلى صديقي أيمن، قلة النوم وطول السهاد، سألته بنبرة من يطلب النجدة لا النصيحة: «ما السبيل إلى نوم هادئ؟»، فأجابني بسؤاله: «قل لي أولاً، سريرك إلى أين يتجه؟ شرقاً أم غرباً؟». لم أُحر الجواب بعد، حتى عاجلني بهذا التحذير: «إياك أن تضعه موازياً للبحر. دعه عمودياً عليه، وإلا نام البحر ولم تنم أنت!». نظرت إليه بدهشة فقد بدأت أشك في أن مشكلتي ليست في قلة النوم، بل في جغرافيا الأسـرّة، وإذا به يخوض في حديث عن تدفق الطاقة، وتوتر التيارات الكهرومغناطيسية، وانسجام الجدران مع الأرواح، حتى خُيل إلـيّ أنني في محاضرة تجمع بين فنون المعمار وعلوم الفيزياء الكوانتية.

الغريب أن نصيحة صديقي أتت بنتائج جيدة.

ما قاله صاحبي ذكّرني بفن Feng shui (فينغ شوي)، تلك الفلسفة الصينية التي ترى في ترتيب الأثاث مسألة مصيرية. فمنذ آلاف السنين أرشد هذا الفن الصيني - الذي يعني حرفياً «الرياح والماء» - الناس إلى كيفية تشكيل بيئاتهم، بما يتناغم مع قوى الطبيعة والكون. وهذا الفن العريق لا يقتصر على ترتيب الأثاث أو اختيار الألوان، بل ينطلق من فهم عميق للطاقة الكونية المعروفة باسم «التشي»، وهي قوة غير مرئية يُعتقد أنها تسري في كل شيء، موصلة بين الأرض والإنسان والسماء. ويذهب أنصار هذا الفن إلى أن الطريقة التي تُنظم بها البيوت والمكاتب يمكن أن تؤثر مباشرة في الصحة النفسية والجسدية، وفي الحظ والنجاح والعلاقات بين الأفراد.

في المنازل الحديثة، تظهر تطبيقات «فينغ شوي» بطرق بسيطة لكنها فعالة: ترتيب السرير أو المكتب بحيث لا يكون في خط مباشر مع الباب، واستخدام المرايا لتعزيز الضوء دون تشويش على تدفق الطاقة، وإزالة الفوضى والاحتفاظ بما هو ضروري وجميل فقط، واستخدام الألوان بعناية لتعزيز المشاعر المرغوبة، كالهدوء في غرف النوم، أو النشاط في أماكن العمل.

حتى في المكاتب، يلعب «فينغ شوي» دوراً مهماً في تحسين بيئة العمل. يُنصح بوضع المكتب في موقع يسمح برؤية الباب، وإدخال نباتات خضراء لتنشيط الطاقة، واستخدام الإضاءة الطبيعية إن أمكن. يرى كثيرون أن هذه التعديلات تؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وتحسين المزاج العام.

فلنبدأ إذا بإعادة ترتيب أثاث البيت، لا بوصفه خشباً يتحرك في فراغ، بل كأداة لإعادة تشكيل ذواتنا، وضبط إيقاع مشاعرنا، وصياغة علاقاتنا مع الآخرين.

*باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر