يريد قائداً لا يقوده

عيسى عبدالله الزرعوني*

في كل مؤسسة، وفي كل مشروع، هناك صوتان، صوت القائد الذي يدرّس ويقرّر، وصوت الذي لا يعرف شيئاً، لكنه يُعطي رأيه في كل شيء.

قامت شركة Zenger/Folkman بدراسة على أكثر من 10 آلاف موظف في قطاعات متنوعة، وسألتهم: هل تفضّل أن تعمل مع قائد قوي وواضح؟

81% أجابوا بـ«نعم»، ثم سُئلوا: هل شعرت بالراحة في بيئة عمل كان فيها مديرك حازماً في قراراته؟ 64% أجابوا بـ«لا».

المفارقة أن الأغلبية تُحب فكرة القيادة، لكن لا تُطيق نتائجها.

الكل يريد قائداً يتكلم بلغة الإنجاز، بشرط ألا يُحمّلهم مسؤولية..

قائداً يُصدر قرارات، لكن لا تمسّ أحداً.. قائداً يُغيّر السياسات، دون أن يُغيّر أماكن الجلوس أو عادات الاجتماعات.

وأكثر من يُقاوم التغيير، أولئك الذين لا يملكون شيئاً حقيقياً.. فلا يملكون مشروعاً، ولا مبادرة، ولا خبرة قابلة للقياس، لكنهم دائماً حاضرون في زاوية التعليقات، على شكل: «أنا شايف»، و«ليش ما تفكّرون بـ...»، و«عندي إحساس أن الخطة فاشلة».

أسهل منصب في أي مؤسسة، مُنَظّر من بعيد.. لا يُسأل عن النتائج، ولا يُحاسب على التأخير، ولا يجرؤ على القيادة، لكنه يملك الجرأة الكاملة ليحكم على من بادر وفعل.

إذا أطلق أحد المديرين حملة إعلامية جريئة تُعيد تعريف هوية الجهة.

ردود الفعل: غضب مكبوت.. لا لأن الفكرة سيئة، بل لأنها لم تخرج من «الدوائر المعتادة».

ولأن القائد لم يُشاور «المخضرمين».. الذين لم ينجزوا منذ سنوات.

تسأله: هل شاهدت تفاصيل الحملة؟

يقول: لا.. بس إحساسي يقول كذا.

هذا «الإحساس» صار حاكماً للصواب.

وصار القائد مجبراً على أن يراعي «اللاشيء»، حتى لا يُغضب من لا يعمل أصلًا.

بعضهم لا يُعلن عداءه، لكنه يُعرقل بصمت،

يتأخر في التنفيذ، يُحمّل الرسائل ما لا تحتمل، يختبئ خلف اللوائح، ويُرسل الملاحظات في اللحظة الأخيرة.

ولذلك، تنهار المبادرات في مهدها، ويموت التغيير قبل أن يولد..

ليس لأنه خطأ، بل لأن البيئة لا تحتمل قيادة فعلية، ولا تحتمل أن تُقاد.

لا تصدّق من يقول: نحن بحاجة لقائد.

بل اسأله أولًا: هل ستدع هذا القائد يقودك حقاً؟

*إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر