توطين قطاع العقارات نموذجاً

*لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم

يُمثّل توطين القطاع العقاري في إمارة دبي نموذجاً رائداً على مستوى الدولة في ابتكار سياسات توظيف ذكية تتناغم مع رؤى التنمية الشاملة.

وفي خطوة نوعية تعكس هذا التوجه، أطلقت دائرة الأراضي والأملاك في دبي، نظام النقاط التحفيزية لشركات الوساطة العقارية التي تدمج المواطنين في هيكلها الوظيفي، ما يحوّل التوطين من مجرد هدف وظيفي إلى استراتيجية تنموية شاملة.

ولعل أهم ما يميّز هذه المبادرة، ليس استهداف رفع نسب التوطين فحسب، بل توظيف أدوات سوقية ذكية، ترتكز على التنافسية وتحفيز الجودة. فكل شركة عقارية تُوظّف مواطنين مؤهلين من برنامج «الوسيط العقاري» تحصل على نقاط إضافية ترفع تصنيفها، ما يمنحها أفضلية واضحة في سوق تتميّز بحدة المنافسة وتنوع الفرص.

وهنا، تتجلى الرؤية الاستراتيجية لدبي، التي لا تكتفي بتأهيل الكوادر الوطنية، بل تسعى إلى خلق بيئة أعمال مرنة تستوعبهم وتمنحهم فرص النجاح. «برنامج دبي للوسيط العقاري» الذي يُشكّل البنية التحتية لهذه السياسات، لا يقتصر على تقديم دورات تدريبية، بل يمنح الخريجين رخصة مزاولة المهنة صالحة لثلاث سنوات، بعد اجتياز برامج تدريبية احترافية معتمدة.

ومن هنا، فإن النتائج على الأرض تتحدث بلغة الأرقام، فقد حقق البرنامج منذ إطلاقه نتائج لافتة، مع تجاوز عدد المواطنين المتأهلين 180% من المستهدف السنوي، مسجلين صفقات بقيمة فاقت 500 مليون درهم حتى أبريل 2025. كما تم إصدار 231 رخصة لشركات وساطة جديدة، ما يعكس حيوية البرنامج وفاعليته في استقطاب الطاقات الوطنية.

هذا الزخم السريع يعكس ليس فقط فاعلية البرنامج، بل أيضاً حجم التفاعل المجتمعي مع الفكرة ومتانة البنية المؤسسية التي تحتضنها.

اللافت في هذه المبادرة أنها لا تُلقي بالعبء على القطاع الخاص، بل تبني منظومة متكاملة من الشراكة بين الجهات الحكومية، والمطورين العقاريين، والمعاهد التدريبية، والوسطاء أنفسهم.

ولا يمكن قراءة هذه المبادرة بمعزل عن أهداف «أجندة دبي الاجتماعية 33»، التي تسعى إلى رفع نسبة التوطين في قطاعات القيمة المضافة - كالوساطة العقارية، إلى 15% خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يعزز موقع المواطن الإماراتي مشاركاً فاعلاً ومؤثراً في الاقتصاد.

في المحصلة، تُمثّل تجربة توطين العقارات في دبي نموذجاً حقيقياً لما يمكن أن تحققه السياسات المبنية على الحوافز والاحتراف، لا على الإلزام.

إنها دعوة مفتوحة لبقية القطاعات الاقتصادية في الدولة، لتحذو حذو العقارات، في تبني نهج استثماري في التوطين، يجعل من المواطن محوراً للنمو، لا مجرد رقم في تقارير التوظيف.

*رئيس مجلس إدارة «شركة دبليو كابيتال للوساطة العقارية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر