مساحة السكن هل تصنع الفارق؟

مريم بن ثنية

في ظل التحولات الديموغرافية المتسارعة التي تشهدها المجتمعات الحديثة، تبرز قضية زيادة معدلات الإنجاب كواحدة من أهم الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات، وذلك لضمان استدامة التوازن السكاني، وتعزيز قوة ونماء المجتمع على المدى الطويل.

ولأن القرار المتعلق بالإنجاب لا ينفصل عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه الأسرة، فمن الضروري أن نُولي اهتماماً جاداً بالعوامل التي تؤثر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في هذا القرار، وعلى رأسها السكن، ليس من حيث التوافر فقط، بل من حيث المساحة والجودة والخصوصية.

في كثير من الحالات، لا يعارض الأفراد مبدأ التوسع الأسري، لكن طبيعة السكن المتاح قد تفرض عليهم واقعاً مختلفاً، فالمساحات الضيقة، والاكتظاظ داخل المساكن، وقلة الخصوصية، كلها عوامل تضع قيوداً غير مرئية على قرار الإنجاب، وتدفع الأزواج إلى التريث، أو حتى الاكتفاء بعدد محدود من الأبناء، على الرغم من رغبتهم في عائلة أكبر.

من هذا المنطلق، تُعدّ السياسات الإسكانية عنصراً مؤثراً ومكملاً للجهود الوطنية في تعزيز النمو الأسري. وهنا يبرز الدور الفاعل لوزارة الأسرة، بالتنسيق مع الجهات المعنية بالإسكان وتوزيع الأراضي، في صياغة برامج سكنية مرنة تراعي التغيرات الأسرية، وتُقدّم حلولاً طويلة الأمد تمكّن الشباب من تأسيس أسر مستقرة، في مساكن تتناسب مع تطلعاتهم واحتياجاتهم المستقبلية.

إن الاستثمار في السكن المناسب ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية. فعندما نتيح للأسر بيئة مكانية مريحة وآمنة، فإننا نمنحها الثقة بالتوسع، ونعزز استقرارها الداخلي، ونُوجّه رسالة مجتمعية واضحة مفادها أن الدولة تقف إلى جانب الأسرة في كل مراحلها.

إن مستقبل المجتمع يبدأ من داخل البيت. وكل خطوة باتجاه تحسين ظروف السكن، هي خطوة عملية نحو دعم معدلات الإنجاب، وبناء مجتمع إماراتي قوي ومتماسك ومتوازن.

*عضو المجلس الوطني الاتحادي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر