رسالة آخر الليل
شعور قاسٍ سيطر عليها بأنها مهملة، فالأولاد كبروا والتحقوا بالجامعات، وصار لكل منهم حياة مستقلة، أما الزوج فمنهمك في عمله كالعادة، واتسعت مساحة الفراغ العاطفي بينهما مع تقدمهما في السن واختلاف ميولهما واهتماماتهما.
وفي ساعة متأخرة من الليل بينما كانت تجلس وحيدة، رن جرس رسالة وردت إليها من شخص لا تعرفه عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي.
في وقت سابق لم تكن تهتم بمثل هذه الرسائل التي ترد عشوائياً، ولا يمكن أن تفكر حتى في قراءتها، لكنها طالعتها هذه المرة، من دون أن ترد.
وبعد نحو ساعة، تلقت رسالة أخرى من الشخص ذاته، يناقشها في مسألة حياتية بعد أن درس ما تنشره على حسابها، الأمر الذي أثار انتباهها فردت بتحفظ، وتبادلا أطراف الحديث، وأحست بسعادة حاولت إنكارها. تحولت الدردشة إلى روتين يومي، وامتلأ فراغ كان يقتلها ببطء، وأقنعت نفسها بأنها صداقة بريئة لا تقلل من احترامها لنفسها أو لأسرتها، من دون أن تدرك أنها تتورط تدريجياً، وتوشك على السقوط في فخ مدمر.
الصداقة تحولت إلى علاقة، ففقدت السيطرة والحذر اللذين لازماها طوال حياتها، وأرسلت إليه صوراً وفيديوهات، ثم صدمت بتحول حاد في شخصيته، من محب ودود ولطيف إلى مجرم محترف، ابتزها بما لديه من محتوى، وهدد بإرساله إلى زوجها وأقاربها، لكنها رفضت الخضوع له، بعد أن أدركت الشر الذي تواجهه، وأبلغت عنه الجهات المتخصصة، وتم القبض عليه وأُحيل إلى القضاء الذي عاقبه على جريمته.
قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية يتضمن مواد رادعة لهذه الأساليب الإجرامية، سواء ما يتعلق بانتهاك الخصوصية، أو الابتزاز، وتنص المادة (42) على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر، لحمله على القيام بفعل، أو الامتناع عنه باستخدام شبكة معلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات».
وهكذا يوفر القانون وكذلك الأجهزة التنفيذية في الدولة الحماية للضحايا، لكن يظل الوعي أمراً ضرورياً، فرغم ضبط المجرم في هذه الواقعة، وتفهم الزوج وتسامحه، فإن الضرر النفسي كان عميقاً، ولا يمكن أن تزول آثاره بسهولة.
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه