يوليو: شهر أعياد الاستقلال والثورات

د. كمال عبدالملك*

يوليو هو الشهر السابع في السنة بحسب التقويم الجريجوري، ويُسمى تمّوز في بلاد الشام والعراق، لماذا تتجمّع فيه أعياد الاستقلال والانتفاضات الشعبية؟

مع مطلع يوليو من كل عام، تُرفرف الرايات وتتعالى الأناشيد في ساحات العالم، إذ تحتفل أمم شتى بأعياد استقلالها وثوراتها الكبرى. في الأوّل من يوليو، تحتفل كندا بيومها الوطني، وفي الرابع منه، تشتعل سماء الولايات المتحدة بالألعاب النارية احتفاءً بإعلان الاستقلال عام 1776، ويأتي الـ14 من يوليو لتستعيد فيه فرنسا ذكرى اقتحام سجن الباستيل، تلك الشرارة التي أشعلت نار الثورة الفرنسية، أمّا في الـ23 من يوليو، فيستذكر المصريون ثورتهم التي أعلنت قيام الجمهورية عام 1952.

هذه التواريخ ليست محض مصادفات متفرقة، بل إنها تكشف عن علاقة وثيقة بين شهر يوليو وروح الثورة والتغيير، فما الذي يجعل هذا الشهر بالتحديد مسرحاً متكرراً للانتفاضات والتحولات الكبرى؟

من منظور علم الاجتماع، يُعَدّ الصيف موسم الفراغ النسبي في المجتمعات الزراعية، حيث يخف ضغط العمل الشاق قبل موسم الحصاد. ومع الحداثة، بات الصيف عطلةً طويلةً للطلاب والشباب، الفئة الأكثر حيوية واستعداداً للانخراط في الحركات الجماهيرية، هذا الفراغ يُفسح المجال للاحتجاج والتنظيم، ويحوّل الميادين إلى مسارح مفتوحة للغضب الجماعي.

أمّا علم النفس، فيشير إلى أنّ حرارة الجوّ لا تزيد التوتّر والانفعال فحسب، بل تدفع أيضاً إلى التجمّع في الأماكن العامة، فتتنامى روح الحشود. وهكذا تتلاقى حرارة الشمس مع حرارة القلوب، ليولد من هذا الالتقاء زخمٌ ثوري قد يُغيّر وجه التاريخ.

وعلى مستوى أعمق، هناك بُعدٌ رمزي: فالثورة في عزّ الصيف تُشبه ذروة الشمس في السماء، لحظة النور الأشدّ التي تسبق الانحسار، لذلك لا غرابة أن تختار بعض الدول تواريخ استقلالها في يوليو، لتجعل من يوم تحرّرها عيداً صيفياً يتّسق مع رمزية الشروق والقوة والنهضة.

صحيح أنّ الثورات لا ترتبط حصرياً بشهر دون غيره، فقد شهد الشتاء والربيع انتفاضات لا تقل أهمية، لكن يظل يوليو حاضراً في الذاكرة التاريخية كأكثر الشهور توقداً، حيث تلتقي فيه العوامل المناخية والاجتماعية والنفسية مع إرادة الشعوب في التغيير.

ولعل أجمل ما في يوليو أنّه لا يكتفي بأن يكون شهر الاحتفال بما مضى، بل يُذكّرنا كل عام بأن روح التغيير ليست حدثاً عابراً في الماضي، بل طاقةٌ حيةٌ تتجدّد كلما اجتمعت الشروط وتوحّدت الإرادات.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر