التاريخ يكتبه من زرع الشغف

يوسف الأحمد

حينما حضر الروماني كوزمين لقيادة «الأبيض» الإماراتي، كانت الآمال كبيرة، بل مفرطة بالتفاؤل، بعدما راهن عليه الشارع الرياضي في اجتياز محطتي أوزبكستان وقيرغيزستان للوصول مباشرة إلى المونديال من الباب الواسع من دون الحاجة إلى أروقة الحسابات المعقدة.

فقد جاءت نتائج المواجهتين لترسم مشواراً أكثر وعورة وأقل وضوحاً لتحقيق حلم التأهل، وعلى الرغم من التحسن النسبي بالشكل العام لاسيما في التنظيم الدفاعي، فإنه لم يكن كافياً لخطف ورقة الصعود المنتظرة.

نحن نقف على أعتاب الملحق الآسيوي، حيث المهمة الأخطر والأصعب التي ستبدأ بمواجهات فاصلة مع منتخبات متناهية في القوة والطموح، تريد اختصار الطريق والتأهل مباشرة كأول المجموعة، فيما ستتعقد حظوظ الآخرين الذين سيسلكون طريقاً شاقاً آخر، قد ينتهي بهم إلى ملحق عالمي، وبالطبع فإن منتخبنا وقع بين هذه الحسابات، وهو ما يتطلب منه أن يكون أكثر تحرراً وجاهزية لاقتناص الفرصة المتاحة في هذا المسار.

من زاوية الواقع والمنطق، هناك عوامل تدعم فرصة التأهل، أبرزها خبرة كوزمين في إدارة المباريات الحاسمة، وقدرته على بناء صلابة وقوة تكتيكية للفريق، إضافة إلى كتيبة اللاعبين الجاهزة والمدعمة بعناصر لديها العديد من التجارب الاحترافية والتنافسية.

ومن دون شك فإن الروح الجماعية عادت شيئاً ما، لكن في المقابل يلوح بعض الحذر، وشيء من المخاوف التي يأتي على رأسها ضعف الفاعلية الهجومية مع غياب اللاعب القادر على صنع الفارق في المواجهات المصيرية، إذ لاتزال هوية الفريق الهجومية باهتة، والتكتيك الهجومي يفتقر إلى الجرأة والحلول المتنوعة. ووسط هذا، يأتي قلق الجماهير مبرراً، فالدور الثالث لا يرحم، خصوصاً حينما يكون في مواجهة منافسين، تبدو لهم ككتاب مفتوح ويعرفون قراءة سطورك جيداً.

نعم، كوزمين ليس مُدرباً مبتدئاً ولا يفتقر إلى الخبرة، لكنه أمام اختبار صعب ومختلف كلياً، فهل يستطيع التحول من مدرب انتقالي إلى مدرب لإنجاز تاريخي؟ مع التذكير بأن النجاح لن يكون بالتنظيم الدفاعي فحسب، بل بالجرأة في القرارات، والقدرة على تكريس الثقة لدى اللاعبين، وإظهار شراستهم في المستطيل.

هي لحظة منتظرة لترجمة الوعود إلى إنجاز ملموس، والتي ربما يصبح فيها كوزمين من يخطُ سطراً ذهبياً في سجل «الأبيض»، وهو ما سيظهر مع الصافرة الأولى بالملحق، حيث ستُكسر التوقعات، وتُصنع البطولات بروح لا تستسلم ولا تنهزم، فالتاريخ يكتبه من زرع الشغف، وحدد الهدف في كل خطوة، ثم ركض خلف الحلم حتى النهاية.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر