رسائل
رسالة قد تكون مبهجة بالنسبة لكثيرين، لكنها كانت غريبة بالنسبة لمتلقيها، إذ وردت إليه من البنك الخاص به، لتفيد بأن تحويلاً ورد إليه من حساب بنكي خارج الدولة، بنحو 5000 درهم، فظن في البداية أن خطأ ما حدث، وتجاهل الأمر.
وبعد ساعات تلقى رسالة ثانية تفيد بإيداع مبلغ آخر في حسابه عبر حوالة بنكية من خارج الدولة أيضاً، فمازح رفيقه قائلاً: يبدو أن هناك من يتكفل برعايتي مادياً.
على عكس كثيرين، تصرف صديقنا بكثير من التعقل والانضباط اللازمين في هذه الحالة، فراجع البنك الخاص به، معتقداً أن ما حدث مجرد خطأ إداري، لكنه فوجئ بأن حسابه تضخم فعلاً، وأن التحويلات سليمة.
ولقناعته بأن هناك شيئاً مريباً، حرص على توثيق إجراء رسمي بأن الأموال التي حولت إليه لا تخصه، وليس لديه معرفة سابقة بالشخص أو الجهة التي أجرت التحويلات إلى حسابه.
هذه الواقعة تمثل حالة متكررة، من المهم الانتباه إليها، لأنها قد تورط مرتكبها في إحدى جريمتين: إما حيازة أو إخفاء أموال، أو أشياء متحصلة في ظروف تحمل على الاعتقاد بعدم مشروعية مصدرها، أو الاستيلاء على مال مملوك للغير وقع في حيازته بطريق الخطأ، أو بقوة قاهرة، مع علمه بذلك.
وبالنسبة للجريمة الأولى، ومن واقع قضايا عدة، هناك أشخاص يدركون جيداً أنهم سيتلقون تحويلات من آخرين لا يعرفونهم، في إطار عمليات احتيال إلكتروني، إذ يتفق معهم المحتالون على استقبال أموال الضحايا في حساباتهم، وإعادة تحويلها أو سحبها نقداً وتسليمها إليهم مقابل نسبة معينة.
ودرج رجال مكافحة الجرائم الإلكترونية عالمياً على تسمية أصحاب هذه الحسابات بـ«الحمير»، كونهم ينقلون «أموالاً» لا يعرفون مصدرها، وهم أول من يقبض عليهم عادة، لسهولة الوصول إليهم، عكس المحتالين أو «الهاكرز» الذين يخططون وينفذون جرائم الاحتيال والاختراق.
أما الجريمة الثانية، فتقع غالباً نتيجة تحويل مالي خطأ إلى حساب المتهم، وبدلاً من أن يردّ الأموال إلى صاحبها يستولي عليها، وحدثت مرات عدة، وضبط مرتكبوها وأحيلوا إلى القضاء.
وسنتطرق في مقال لاحق إلى عقوبات الجريمتين، لكن من الضروري ألا يتملكنا الطمع حتى لا ندفع الثمن غالياً بالقانون، فـ«الحدأة لا تلقي بالكتاكيت».
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه