ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
ينهى الله تعالى عباده عن أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، أي بغير وجه حق، كسرقة أو غصب أو رشوة أو خيانة أو اختلاس، أو نحو ذلك من أنواع المظالم التي قد تستهوي بعض النفوس الضعيفة، المعرِضة عن الله تعالى، اللاهثة وراء حطام الدنيا الفانية، من حلال أو حرام، ظناً أن ذلك يسعدها في الحياة، والحقيقة أن هذا الأكل مُهلك لآخذه عاجلاً أو آجلاً، والتعبير بالأكل يشمل كل تصرف في مال الغير أكلاً أو غيره.
وقد أضافت الآية الكريمة الأموال إلى من يظلم غيره، إشارة إلى أن للآخر حقاً عليه في حماية ماله كما يحمي مال نفسه، وأنه إن لم يفعل فسيحمل الآخر على أن يستوفي حقه بطريقة مماثلة، وهكذا تتسلسل المظالم، فيؤدي ذلك إلى إضاعة الحقوق وكثرة الباطل بين الناس.
وقد جاء هذا التوجيه القرآني في سياق منهجه العظيم في إقامة العدل بين الناس، لاسيما المسلمين الذين يرعوُون عند الأوامر والنواهي، لعلمهم أنه لا يؤمن أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام. وقد عظّم النبي عليه الصلاة والسلام حرمة أموال الناس، فجعلها كحرمة الشهر الحرام في البلد الحرام واليوم الحرام، فقال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا». وقال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».
وهذا النهي عن أكل مال الغير بغير وجه حق، هو كذلك لحماية الآكل نفسه، لأنه إن استمرأ الباطل وخاض فيه ونال شيئاً بباطله، فإن ما يأخذه من مال غيره باطلاً يكون وبالاً عليه، فلا يقبل الله له دعاء، ولا تنشط جوارحه لطاعة، ويكون ما أخذه بالباطل وقوداً له في النار، وبئس القرار، فيكون من الخاسرين، وقد تُخوّل له نفسه وشيطانه أن يستحل ذلك بالمخاصمة القضائية فيلجّ بباطله في القضاء، ولعله يقضي له بحسب ما ظهر، فيظن جهلاً أنه استحلّه بذلك، وهو لا يحله له ديناً وشرعاً، فإن القضاء لا يحل ما حرم الله. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلـيّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحَن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئاً، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار».
ألا فليتق الظالمون ربهم بحفظ حقوق غيرهم، وألا يستحلوا ما حرم الله.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه