الحاج الإماراتي

عيسى عبدالله الزرعوني*

حين عاد أبي حاجّاً عام 1993 رفعنا العلم فوق بيتنا ليعرف الحيّ كلّه أنّ في هذا البيت حاجّاً.. إعلانٌ صامت بأن الركن الخامس اكتمل بين جدراننا، وتهافت الجيران للسلام عليه، وقدّم لهم المسابيح وكاميرات صغيرة فيها صور الكعبة وبئر زمزم.

ومع حجّ هذا العام، فقد حافظت المملكة العربية السعودية على درسها السنوي في إدارة ملايين الحشود بسلاسةٍ وأمان، فانتقلت الجموع بين المشاعر كما ينتقل النسيم بين نخيل الوادي.

أمّا بعثة الإمارات فكانت قلباً يرافق 6228 حاجّاً من المطار إلى طواف الوداع. من خيام منى المُظلَّلة بشجرة الغاف إلى عرفات حيث يعلو الدعاء، إلى مزدلفة حيث يسكن الليل على حصى الرجاء، ثم إلى الجمرات حيث تُرمى المخاوف قبل الحصى، كان مكتب شؤون الحجاج لدولة الإمارات يمسك الخيطين: خيط التنظيم وخيط السكينة.

رافقهم طاقم طبيّ قوامه 36 طبيباً و58 ممرضة، وسيارات إسعاف عند كل مشعر، ومنصّة «فزعة» التي تتلقّى البلاغات بلمسة هاتف، وكلُّ ذلك خُطَّ بهدوءٍ ليحافظ على سكينة المكان.

في كل محطة ظهرت روح «ريحة هلي»: وجبات إماراتيّة، عيديات ومسابقات تكسر رهبة الزحام، وأصوات تطمئن: «حاضر»، «على هالخشم»، «لا تحاتي»، «سهالات»، «ابشر». وعّاظ متدربون من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية جلسوا بين الحجاج، يروون قصص السيرة كما تُصنع القهوة على مهل. حتى شجرة الشبهانة التي استظلّ تحتها أجدادنا في دروب الرمل حضرتهم في الحكايات، لتذكّرهم بأن دولةً وُلدت في الصحراء لا تنسى ظلَّها.

أرقام الأعوام الخمسة الماضية تحكي ثبات الاهتمام: حصّة الإمارات 6228 حاجّاً في 2023 و2024، وحصّة مُخفَّضة في 2022 بعد عامين خاليين من سفر 2020 و2021 بسبب الجائحة. ومع كل رقم قصةُ خدمةٍ لا تُعدّ.

قبيل الرحيل وُدِّع الحجاج بالورد في مكة، وحين هبطوا على أرض الوطن فُتحت المطارات ممراتٍ خاصة، وامتدّت الأيدي تحمل الورود ذاتها في إشارةٍ خفيّة تقول: عدتم إلى أسرتكم الكبرى، ولسنا نستقبلكم كسياح بل كضيوف الرحمن.

وشكراً لكل من تطوّع، ساهم، أدى عمله بابتسامة، أو نقل لنا الصور الإنسانية، ذكّرتنا بأن الحاج الإماراتي سفير بلده حيثما كان.

حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً بإذن الله.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر