الاتفاقات العرفية في البيع والشراء

محمد عبدالرزاق المطوع

تواجه الأسواق العقارية، لاسيما في المدن الديناميكية مثل دبي، تحدياً يتمثّل في غياب الالتزام أحياناً بالاتفاقات العرفية المبرمة بين البائع والمشتري، ما يؤدي إلى بروز حالات من رفع الأسعار بشكل مفاجئ وغير منظم.

هذه الاتفاقات الشفهية أو الورقية غير الموثقة رسمياً، تُعدّ سبباً رئيساً في تعطيل صفقات بيع وشراء، وتفتح باباً واسعاً للنزاعات، خصوصاً عندما تدخل المضاربة والطمع على الخط.

وأحياناً يتفق البائع مع المشتري على سعر أرض معينة، يبلغ 40 مليون درهم على سبيل المثال، ثم بعد معرفة البائع برغبة المشتري الجادة، يبدأ برفع السعر تدريجياً، ليصل في النهاية إلى 45 أو حتى 50 مليون درهم.. فقط لأنه أدرك أن المشتري «جاد» و«مهتم».

هذا التغيّر المفاجئ في الموقف، رغم توقيع شيك العربون أو وجود اتفاق أولي، يحوّل العملية التجارية إلى لعبة مزايدات، تهدد استقرار السوق وتفقد الثقة بين الأطراف.

أما الخطورة الأكبر فتكمن حين يستخدم البائع توقيع المشتري أداة ضغط أمام أطراف أخرى للمزايدة، أو يعرض صورة من الاتفاق على مشترين آخرين، لإثارة تنافس مصطنع ورفع السعر. هناك شكاوى من مستثمرين ومطورين من هذا الأمر الذي يعيق التطور المؤسسي للسوق العقارية، ويضعف مناخ الثقة بين المتعاملين.

الحل الذي بدأ يفرض نفسه اليوم هو الرقمنة، حيث إن الحاجة إلى إطار قانوني وتنظيمي واضح، يُلزم الأطراف باتفاق إلكتروني موثق ومعتمد من الجهات الرسمية كدائرة الأراضي والأملاك في دبي، باتت ضرورة مُلحة.

هذا النموذج المقترح يعتمد على تسجيل بيانات البائع والمشتري إلكترونياً، وربطها بمنصة موثوقة، مع تفعيل التوقيع الرقمي المُلزم قانوناً للطرفين، بحيث لا يملك أيٌ منهما التراجع أو التلاعب بعد إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق.

المطلوب ليس حماية الطرف الجاد فحسب، بل حماية السوق بأكملها. ويجب أن يصاحب هذه الآلية حملة توعية وتشديد رقابي من الجهات المعنية، لضمان الالتزام بما يُوقّع عليه، وتفعيل أدوات قانونية لردع من يخرق هذه الاتفاقات الإلكترونية.

تقنين الاتفاقات الأولية وتحويلها إلى وثائق رسمية رقمية، لن يسهم في حماية حقوق المشترين فحسب، بل سيعزز من تنافسية دبي مركزاً عالمياً للاستثمار العقاري، ويمنح السوق صفة النضج والشفافية التي يسعى الجميع إلى تحقيقها.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر