خيرة
هل فكرت يوماً في الثمن النفسي الذي ندفعه مقابل إصرارنا على العناد؟ كم من نقاش بسيط تحوّل إلى معركة مريرة لأن كلا الطرفين أصرّ على أن تكون له الكلمة الأخيرة؟ تمسّكنا بالرأي على حساب الود والراحة يترك وراءه غضباً يتراكم في الصدر، وتوتراً يسرق النوم، وأرقاً يطيل الليالي، وضغطاً نفسياً يثقل القلب، والنتيجة؟ نظن أننا انتصرنا في الجدال، لكن الحقيقة أننا خسرنا راحة البال وهدوء النفس.
المفارقة أن كثيراً من هذه الأعباء يمكن تبديدها بكلمة طيبة في لحظة غضب، أو بمبادرة تسامح بسيطة تطوي صفحة الخلاف، بدلاً من مواصلة حرب إثبات الرأي العقيمة.
الحياة أقصر من أن تُهدر في معارك الكبرياء الفارغة. التخلي أحياناً هو السبيل الوحيد لإنقاذ نفسك؛ فالتراجع أمام موقف صعب لا يعني الهزيمة، بل قد يكون عين الحكمة إذا كان استمرار العناد يزيد الاحتقان. الإنسان الممتلئ بالرضا لا ينظر لما في يد غيره، ولا يرهقه السعي لإثبات أنه الأفضل في كل جدال؛ لأنه يدرك أن السلام الداخلي أثمن من أي انتصار زائف. ولربما يكسب أحدنا جدالاً في الظاهر، لكنه يخسر في المقابل صديقاً عزيزاً أو راحة نفسه. وقليل من المرونة والتسامح يجنبنا الكثير من الألم النفسي.
أذكر مرة أنني حضرت مجلساً احتدم فيه النقاش بين اثنين من الزملاء، موضوع بسيط لا يستحق كل ذلك التشنج، لكنّ أحدهم أصرّ على أن رأيه هو الصحيح. رأيت بعيني كيف تحوّل الحوار إلى خصومة، وكيف انسحب الهدوء من المجلس.
ومنذ تلك اللحظة أدركت أنه أحياناً ننتصر حين نُمسك ألسنتنا لا حين نُطلقها.
كل شيء يحدث في حياتك خيرة حتى المواقف التي تبدو مؤلمة أو محبطة. لن تنال المجد الحقيقي دون أن تمرّ باختبارات الصبر والمرونة، فلا مجد دون أن تتعلم كيف تتخطى الصغائر، وأن ترسم لنفسك طريقاً خالياً من الحقد والغضب والعناد.
ويقول شمس الدين التبريزي: «لن تنطفئ مادام النور يسكن داخلك، ستشع دائماً».
فالسلام الذي تصنعه بداخلك لا يحتاج أن تنتصر على أحد.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه