«لابوبو»
أخبرني صديق أنه اشترى دُمى «لابوبو» لأطفاله الأربعة، ودفع 1400 درهم. لم يكن يمتلك المبلغ، فسدده بالتقسيط عبر «تابي»، والسبب أن أطفاله طلبوا، ولأن الجميع من حوله اشترى، ولأن «الترند»، كما تعلم، لا ينتظر أحداً.
دمية لا يتجاوز حجمها كف اليد، بوجه أقرب إلى الوحوش منه إلى اللُّعب، لا تتكلم، لا تُغني، لا تُعلِّم، لكنها أصبحت «ضرورة اجتماعية»، لم تُشتـرَ لأنها جميلة، بل لأنها ظهرت في يد مغنية، أو على «شنطة» في أسبوع الموضة، أو في فيديو «ترند»، وهنا تبدأ القصة.
علم النفس يسميها «عدوى السلوك الجمعي»، حيث يقوم الأفراد بتكرار سلوك رأوه شائعاً، لا اقتناعاً به، بل خشية من أن يكونوا خارج السرب. نحن في زمن لا نُشكّل فيه رغباتنا، بل نُستدعى إليها. الرغبة تأتيك على هيئة إعلان، ثم طلب ابنك الصغير، ثم سؤال بسيط من صديق: «ما شريت لابوبو؟».قصة بدأت في 2015، حين ابتكرها الفنان كاسنغ لونغ، ثم تبنّتها شركة صينية تدعى «Pop Mart»، وجعلت منها جزءاً من سلسلة «الصناديق العمياء»، لكن التحول الحقيقي جاء حين حملتها «ليسا» من فرقة Blackpink، ليبدأ الطوفان.
تجاوزت المبيعات 850 مليون دولار في 2024 وحدها، وأصبحت الدمية تباع بثلاثة أضعاف سعرها الأصلي، ليس لأنها تُغير الحياة، بل لأنها أصبحت رمزاً، أو على الأصح: وهماً جماعياً مصنوعاً بإتقان.
وسائل التواصل لا تبيعك منتجاً، بل تبيعك شعوراً بأن الآخرين سبقوك، وأنك متأخر. لا تعرض عليك ما تحتاجه، بل ما تخاف أن يفوتك. ترى الطابور فتقف، حتى دون سبب.
الأمر لا يتوقف عند «لابوبو». انظر من حولك: أجهزة ونكهات ومنتجات موسمية وتطبيقات «لازم تجربها». وكل «ترند» جديد يرفع لافتة واحدة: «اشترِ الآن.. فكر لاحقاً».
المسألة ليست دمية، بل طريقة تفكير، ونمط استهلاك، وضعف مقاومة. وحين تتكرر، تُصبح عادة، والطوابير نمط حياة، والتقسيط لغة يومية.
الحرية تبدأ في ما تضع داخل صندوق التسوق. وهناك بين رفّ المنتج ورفّ القناعة، تُحسم المعركة الكبرى: هل تشتري ما تحب؟ أم ما يحبه الآخرون لك؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه