القصف الرقمي لذاكرة المراهقين

الدكتور أشرف مصطفى

في عصر تتزاحم فيه المهام اليومية، وتغمره التكنولوجيا من كل جانب، أصبح نسيان المواعيد المهمة وعدم التركيز شكوى شائعة بين المراهقين.

وهذا الأمر لا يعود إلى الكسل أو اللامبالاة كما يعتقد البعض، بل هو نتاج تفاعل معقّد بين التغيرات البيولوجية في مرحلة المراهقة وأنماط الحياة الحديثة، حيث يشير الكثير من النتائج البحثية لدراسات علم الأعصاب إلى أن دماغ المراهق يخضع لعمليات إعادة هيكلة جذرية خلال هذه المرحلة، فتتراجع بعض الوصلات العصبية، بينما تتشكل أخرى جديدة. هذه التغيرات الطبيعية تؤثر مؤقتاً على الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على التنظيم، لكن العامل الأكثر تأثيراً اليوم هو القصف الرقمي الذي يتعرض له المراهقون، كالانتقال السريع بين التطبيقات، ومواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، وهو ما يؤدي إلى تشتت الانتباه، وإرهاق الذاكرة العاملة، ما يصعّب تخزين المعلومات بشكل فعال.

أضف إلى ذلك أزمة النوم التي يعانيها معظم المراهقين، حيث يحتاج الدماغ في هذه المرحلة إلى 8-10 ساعات نوم يومياً، لكن السهر مع الأجهزة الذكية يقلل هذه الساعات بشكل كبير. فالنوم غير الكافي يعطل عملية توطيد الذاكرة التي تحدث أثناء النوم العميق، ما يجعل استرجاع المعلومات صعباً.

وحقيقة، وسط كل هذا الأمر لا يمكن إغفال دور الضغوط النفسية في هذه المعادلة، كالضغوط الدراسية، والقلق الاجتماعي، وحتى التوتر العائلي، فهي تطلق هرمونات مثل الكورتيزول، تؤثر سلباً في منطقة الحُصين في الدماغ، المسؤولة عن تكوين الذكريات.

لكن دائماً نرى أن الأمل لا ينقطع، والحلول لا تنتهي، بل لايزال العلم يزودنا بالحلول والتغلب على التحديات، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن اتباع استراتيجيات بسيطة يمكن أن يعيد تنشيط الذاكرة، كتخصيص أوقات يومية بعيداً عن الشاشات لتحفيز التركيز، مع ممارسة أنشطة تعزز النوم الجيد، كالقراءة قبل النوم، إضافة إلى اتباع نظام غذائي غني بالـ«أوميغا 3» (كالأسماك والمكسرات) الذي يدعم صحة الخلايا العصبية.

بل أرى أنه من الضروري تفهم طبيعة هذه المرحلة العمرية الحرجة، بدلاً من لوم المراهقين على نسيانهم، فهم يحتاجون وبشكل مستمر إلى توجيه لطيف يساعدهم على تطوير آليات التكيف، فالذاكرة القوية ليست هبة فطرية، بل مهارة يمكن بناؤها بالتدريب والدعم، وهذا ما سيمكنهم من تحويل التحديات إلى فرص للنمو.

* جامعة الإمارات العربية المتحدة

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر