العصب الرئيس للاقتصاد الوطني
وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، تبرز المشاريع الصغيرة والمتوسطة في دولة الإمارات دعامةً محوريةً لصمود الاقتصاد الوطني، فهي تمثّل نحو 94% من إجمالي الشركات العاملة، وتُسهم في نحو 63.5% من الناتج المحلي غير النفطي، ما يجعلها بحق «العصب الرئيس للاقتصاد الوطني».
ورغم هذا الدور الحيوي، فإن هذه المشاريع لاتزال تواجه تحديات غير تقليدية، تتطلب أدوات جديدة، فعلى الرغم من ارتفاع نسبة تمويل الشركات الناشئة التقنية بنسبة 800% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، فإن العديد منها يعاني تحديات تقنية تعيق القدرة على التوسع.
ومن أبرز هذه التحديات، ضعف تبني تقنيات التحول الرقمي المتقدمة، كما يفتقر روّاد أعمال إلى المهارات الضرورية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والحوسبة السحابية، وهو ما ينعكس على مرونة سلاسل التوريد، وتلبية الطلبات الموسمية، والقدرة على المنافسة العابرة للحدود.
وتشكل هذه المشاريع أيضاً رافعة مهمة لخلق الفرص الوظيفية، خصوصاً بين فئة الشباب والمواطنين الطامحين إلى دخول سوق العمل عبر مسارات مرنة، إذ تُظهر التجارب العالمية أن كل وحدة نمو في هذا القطاع تُترجم إلى مضاعفة في فرص التشغيل مقارنة بالقطاعات الكبرى، كما أن بيئة الشركات الصغيرة تُعدّ أكثر مرونة في استيعاب الكفاءات الجديدة، وتوفر بيئة محفزة على الابتكار والتعلم السريع، ما يسهم في تطوير رأس المال البشري الوطني، ويدعم مستهدفات الدولة في التوطين والنمو الاقتصادي الشامل.
ولمعالجة التحديات التقنية، بات من الضروري توفير حاضنات رقمية متخصصة، وبرامج تدريب تقنية عملية، وتمويل مخصص للابتكار يساعد على بناء أنظمة أعمال رقمية قادرة على النمو والتوسع.
وفي موازاة ذلك، أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بتطوير المنظومة التشريعية لدعم ريادة الأعمال، إلا أن هناك حاجة إلى الانتقال من التمويل القائم على الضمانات التقليدية إلى نماذج قائمة على تقييم الجدارة الائتمانية الرقمية ومشاركة المخاطر.
إن تعزيز التكامل بين السياسات الحكومية ورأس المال الاستثماري الذكي، كفيل بتحويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى محرك رئيس للنمو الاقتصادي. وفي هذا السياق، فإن تطوير استراتيجية وطنية متكاملة تُصمم خصيصاً لعصر الاقتصاد الرقمي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي وتعظيم أثره التنموي.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه