الفرصة الأخيرة

محمد نجيب*

«ليس أمامنا سوى توجيه الحاسمة إلى الخصم»، قال المحامي لموكله ذلك يائساً، بعد أن استنفد كل السبل لإثبات حق الأخير في مبلغ مالي أقرضه لصديقه وأنكره المدين.

الطرف الآخر لم يتردد وأدلى بنص اليمين الذي طلبه المدعي دون أن يرف له جفن، وقضت المحكمة لصالحه.

طالعت كثيراً من القضايا التي طلب فيها أحد الطرفين بإلزام الآخر بأداء اليمين، وكانت النتيجة محسومة لصالح مؤدي اليمين، فمنطقياً حين يتنازع طرفان قضائياً، ويتكبد كلاهما عناء هذا المسار، فمن النادر أن يرفض المطالب باليمين أداءه، بل يأتيه الطلب غالباً على طبق من ذهب لإنهاء النزاع لصالحه.

ومن الحالات النادرة التي استوقفتني، سيدة استدانت من صديقتها مبلغاً من المال، ولم ترد الدين، فأقامت الدائنة دعوى قضائية دون أن تملك دليل إثبات واحداً يدعم موقفها، حتى لو رسالة نصية تقر فيها المدينة باستلام المبلغ، ما دفعها إلى طلب توجيه اليمين الحاسمة إلى الأخيرة، فتخلفت الصديقة عن أداء اليمين، وقضت المحكمة لصالح صاحبة الحق.

هذه الحالة تؤكد أن هناك من يتمتع بفطرة سليمة وإدراك للتبعات الأخلاقية والدينية الناتجة عن اليمين الكاذبة، لكن في مقابل ذلك يقسم الأكثرية دون تردد حين يطالبون بذلك.

النسبة الكبرى من القضايا التي تشهد توجيه «اليمين الحاسمة» تكون عبارة عن نزاعات بين أقارب أو أصدقاء تداينوا أو تشاركوا مالياً دون أن يوثقوا الحقوق، اعتماداً على طبيعة العلاقة التي تربط بينهم.

ولا أخفيكم قولاً، حين نصل إلى مرحلة طلب توجيه اليمين نكون مثل طبيب يعالج مريضاً في حالة حرجة، فهي أقرب إلى قشة أتاحها المشرع لمن لا يملك دليلاً يثبت دعواه، وتعتمد كلياً على يقظة ضمير الطرف الآخر والتزامه دينياً.

يظل من الضروري الإلمام باشتراطات موافقة المحكمة على توجيه اليمين الحاسمة، وهي أن تكون متعلقة بشخص من وجهت إليه، حاسمة في النزاع المطروح على المحكمة، ولا مخالفة فيها للنظام العام أو الآداب، وأن يكون طالبها غير متعسف في طلبه.

ومن المهم إدراك أنه لا يحق لطالب اليمين تكذيب الحالة بحسب المادة 61 من القانون ذاته، ومن ثم لا يسعنا إلا التأكيد على أهمية توثيق الحقوق، خصوصاً الديون بالكتابة، فهذا كفيل بحماية الطرفين، صاحب الحق من الغبن والإنكار، والصديق أو القريب من النفس الأمارة بالسوء.

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر