«روح ابن النادي»
التغيير والبحث عن الأفضل في سبيل تحقيق الانتصارات وحصد الإنجازات، بات مبتغى وهدفاً متفقاً عليه لدى الجميع، ولعل السنوات الأخيرة شهدت تحولاً في السياسات الكروية، عندما فُتحت الأبواب أمام تسجيل المقيمين وتجنيس اللاعبين، ليكونوا ضمن مكونات ومقومات الأندية، حتى أصبحوا الآن نواة وأعمدة لمنتخباتها الوطنية. وقد يبدو هذا التوجه خطوة نحو التطوير لاختصار المسافات وتحقيق المكاسب، لكن واقعه ربما يُخفي وجهاً ملامحه غامضة، ومن يراقب المشهد يُدرك أن الوضع قد انقلب تماماً، حيث لم تعد تلك الفرص متاحة كما كانت، فهناك من نشأ وتدرج بين الفئات، لكنه أصبح الآن على الدكة أو خارج القائمة، وهناك الباحث عن حيز أو زاوية ليجد نفسه، وهناك من يتنقل ويطرق الأبواب مستجدياً القبول، بعدما حضر من هو أكثر جاهزية، ليستحوذ على الأضواء والمكان.
وعلى الرغم من المحاسن المتوقعة، فإن هذا التغيير سيخلق فجوةً أمام الشغف الذي سيُنهي مع الزمن (روح ابن النادي)، التي تُعدّ إحدى ركائز الانتماء، وورقة تلعب على وترها الفرق عند الأزمات واحتدام المواقف، كما أن التركيز على هذا النهج سيهُمل برامج التأسيس والتنشئة، وسينشر مفهوماً قائماً على مبدأ (لا حاجة إلى بناء وتطوير القواعد طالما أن البناء جاهز)، ما سيدفع الأندية إلى إهمال تنمية الخامات المحلية، حتى يصبح الاعتماد على الخارج ركناً أساسياً لقوامها، وممارسة طبيعية مألوفة. كما أن الاستمرار في هذا المسار من دون ضوابط، لن يؤدي إلى تراجع مستوى اللاعب المحلي واندثاره فحسب، بل سيفتح الباب أمام تداعيات باهظة على المدى البعيد، مع تلاشي الانتماء وتآكل قاعدة الجماهير، لتتحول حينها الأندية إلى مؤسسات استهلاكية، تفتقر إلى الروح والهوية، لاسيما عندما يفقد الجمهور ارتباطه باللاعبين الذين يمثّلونه، كونهم من خارج نسيجه الاجتماعي والثقافي. ما نخشاه هو أن نجد بعد سنوات منتخباً لا يُمثّل سوى ألوان وأندية تفوز من دون طعم أو نكهة تفاعلية، خصوصاً عندما يختل ميزان الإحساس والانسجام بينهما.
لذا، فإن سياسة التجنيس ووجود المقيمين تُعدّ حلولاً مساهمة إذا تم استخدامها باعتدال، وضمن برنامج هدفه تطوير المستويات، ورفع وتيرة المنافسة، لكن بشرط ألّا يطغى لونها على اللون المحلي، إذ لابد من المراجعة والتقييم، فالتوازن بين النتائج والهوية ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء، فقد يصنع المال فريقاً، لكن الانتماء وحده هو الذي يصنع وطناً داخل الملاعب، ومن لا جذور له، لا ظل له.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه