التوازن الرقمي في عصر التكنولوجيا

الدكتور أشرف مصطفى

في عالمنا الحالي، أصبحت الشاشات الصغيرة نافذتنا الكبيرة على العالم، حيث تقدم لنا المعرفة والترفيه والاتصال، ولكنها في الوقت نفسه تسرق منا تدريجياً لحظاتنا الحقيقية وإنسانيتنا. لقد تحولت التكنولوجيا من أداة مساعدة إلى عنصر أساسي في حياتنا اليومية، ما يجعل البحث عن التوازن الرقمي أحد أهم التحديات التي نواجهها في العصر الحديث.

ويشير كثير من النتائج البحثية إلى مفارقة عصرية غريبة، مفادها أنه كلما زاد اتصالنا الرقمي زاد شعورنا بالعزلة الاجتماعية، حيث نتبادل آلاف الرسائل والتفاعلات عبر المنصات الاجتماعية، لكننا نادراً ما نختبر عمق التواصل الإنساني الحقيقي. لقد أصبحت المحادثات وجهاً لوجه - تلك التي ننظر خلالها إلى عيون بعضنا بعضاً دون مقاطعة من الإشعارات - نوعاً من الرفاهية النادرة في حياتنا المشغولة، حيث يستهلك الشخص العادي ما بين أربع إلى ست ساعات يومياً في التحديق في شاشة هاتفه، وهو رقم يفوق في كثير من الأحيان الوقت المخصص للنوم الجيد أو التواصل المباشر مع العائلة والأصدقاء. إن هذا الإدمان الرقمي الصامت لا يؤثر فقط في إنتاجيتنا، بل يغير بشكل جذري طريقة عمل أدمغتنا، حيث نتعود على المكافآت السريعة من «الإعجابات» والتعليقات، بدلاً من السعي وراء الإنجازات الحقيقية التي تتطلب صبراً وجهداً.

ولحسن الحظ، أنه يجب علينا أن نبحث وبشدة عن طرق عملية لاستعادة السيطرة على حياتنا الرقمية، كتخصيص أوقات محددة خالية تماماً من الشاشات، مثل أوقات الوجبات العائلية أو الساعة التي تسبق النوم، كما يساعد حذف التطبيقات غير الضرورية التي تستهلك وقتنا دون فائدة حقيقية في تقليل الإلهاءات الرقمية، ومن المفيد أيضاً تفعيل وضع «عدم الإزعاج» خلال اللحظات المهمة مع الأسرة، لحماية هذه اللحظات الثمينة من التشتيت الرقمي.

لذا، يجب أن نذكر أنفسنا دائماً بأن التكنولوجيا ما هي إلا أداة في أيدينا، وليس العكس، وأن التوازن الرقمي الذي نسعى إليه يعد ضرورة للحفاظ على صحتنا النفسية وعلاقاتنا الإنسانية. لنتعلم استخدام التكنولوجيا كجسر يصلنا بالعالم، لا كجدار يعزلنا عن الحياة الحقيقية. فلنكن سادة التكنولوجيا، لا عبيداً لها، ولنحافظ على تلك المساحة المقدسة حيث نلتقي كبشر، بعيداً عن وهج الشاشات.

*جامعة الإمارات العربية المتحدة

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر