البركةُ مع أكابركم
ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البركةُ مع أكابركم»، أي اطلبوا البركة مع الكبار، فإن البركة تلازمهم، والبركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، كما قال أهل التأويل، وتكون في النفس والمال ودفع البلاء والشرور؛ لأن الله تعالى إذا بارك الشيء كان كله خيراً، وإذا كان الكبير قريباً فإن الخير يتضاعف ويعم الأنس أهل البيت، ويزداد رزقهم، ويصلح حالهم، ويعظم أجرهم، وهو الأهم، فإنْ أكرم الكبير بحسن التعامل معه، والتلطف به، وآنسه بقوله وفعله كان ذلك سبباً لجلب الفيوضات الربانية عليه، كما صح في الحديث: «إنما تُنصرون وترزقون بضعفائكم»، وصح أيضاً: «ابغوني في الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»، لأن من رحم هؤلاء الضعفاء فإن الله تعالى يجازيه برحماته، كما ورد: «الراحمون يرحمهم الرحمن سبحانه وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وليس هناك ضعف أكبر من ضعف الكبير الذي يكون قد وهن عظمه، واشتعل رأسه شيباً، وضعفت قواه وحواسُّه، فيحتاج إلى من يسنده بقية حياته، لاسيما إن كان أباً أو أماً أو جداً أو جدة، الذين ذهبت قواهم لصالح أحفادهم، أفلا يستحقون مجازاة الإحسان بالإحسان؟
إن واجب كل إنسان أن يعي ما يجب عليه شرعاً وعقلاً وعرفاً من الإحسان إلى هؤلاء الكبار بكل ما يستطيع فعله وقوله وبذله لكبار أمته وفاءً لهم أولاً، فإن الوفاء من شيم الرجال، فلا يقصر في الوفاء إلا الأشقياء، وثانياً استدراراً لمثوبة الله تعالى على هذا الفعل الجميل، واتخاذ ذلك يداً عنده سبحانه وعند الأجيال ليكافئوهم بمثل ذلك الإحسان، كما ورد في الحديث: «ما أكرم شابٌ شيخاً لسنه إلا قيَّض الله له من يكرمه عند سنه»، وهذا ملموس ومشاهد، وكما قال الشاعر:
من يفعلِ الخيرَ لا يعدم جوازيَه
لا يذهب العرفُ بين الله والناس
إن إكرام كبار السن هو من مرضاة الله تعالى، كما ورد: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط»، وإجلال الله تعالى من مقتضيات الإيمان، فمن لم يجلّ الله تعالى كان مستخفاً به، وعندئذ لا يبالي الله تعالى بهلكته في دنياه وآخرته، وكفى بذلك خسراناً مبيناً. نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه