الصحة النفسية لأبنائنا
في خضم تسارع وتيرة الحياة وتعقيدات العصر الحديث، أصبحت الصحة النفسية لأبنائنا البالغين هاجساً يؤرق كل أب وأم، فمرحلة الشباب التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها ذروة القوة والحيوية، تحمل في طياتها تحديات نفسية قد تكون أكثر تعقيداً مما نتصور.
وحقيقة نجد في كثير من المواقف أن وراء هذه الوجوه الباسمة والاستقلال الظاهري، يعيش العديد من الشباب صراعات نفسية لا يبوحون بها. ضغوط العمل أو الدراسة، التحديات المادية، علاقات الصداقة والحب المعقدة، لذا تبرز أهمية الاهتمام بالصحة النفسية لأبنائنا البالغين كأولوية لا تقل عن صحتهم الجسدية.
وتنطلق أهمية هذه المرحلة، حين يبحث الشاب عن هويته واستقلاليته، وفي الوقت نفسه يواجه سيلاً من المسؤوليات الجديدة التي تثقل كاهله. وكثير من الشباب يخفي هذه المعاناة خلف ابتسامة زائفة أو عبارة «أنا بخير» التي أصبحت شعار جيل كامل.
وما يزيد من المشكلة ارتباطهم الشديد بوسائل التواصل الاجتماعي كعامل يجدون أنفسهم فيه، فالعالم الافتراضي الذي يقضون فيه ساعات طويلة أصبح مصدراً للمقارنات السامة، والشعور الدائم بعدم الكفاية، من خلال ما يشاهدونه من نجاحات زائفة، تزرع في نفوسهم شعوراً بالدونية والإحباط.
لكن الأهم الآن.. ما الحل؟ وكيف يمكننا كأسر وأولياء أمور أن نكون السند الحقيقي لأبنائنا في هذه المرحلة الحرجة؟ الجواب يبدأ بالاستماع الفعّال دون أحكام مسبقة، فكم من شاب احتاج فقط إلى أذن صاغية وقلب متفهم ليتخطى أزمته النفسية.
علينا أن نخلق مساحة آمنة للحوار، حيث يشعر الابن - أو الابنة - بالحرية في التعبير عن مشاعره دون خوف من النقد أو السخرية، إضافة إلى تعزيز ثقته بنفسه، والتركيز على صفاته الإيجابية وإنجازاته، وتقبل عيوبه كجزء طبيعي من أي إنسان، وتعليمه مهارات التعامل مع الضغوط، وإرشاده إلى طرق صحية للتنفيس عن المشاعر السلبية، مثل الرياضة والكتابة أو ممارسة الهوايات.
وأخيراً، أرى أن الاهتمام بالصحة النفسية لأولادنا البالغين ليس رفاهية، بل ضرورة في عصر مليء بالتحديات.
بالحب والصبر والوعي يمكننا أن نكون سنداً لهم في رحلتهم نحو الاستقرار النفسي.
*جامعة الإمارات العربية المتحدة
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه