مساعدون أم جواسيس؟
تخيّل أن تستيقظ صباحاً على نغمة منبّه ذكي اختارها هاتفك خصيصاً بناءً على عادات نومك، يُلقي عليك المساعد الافتراضي تحية الصباح مخاطباً إياك باسمك، ويخبرك بحالة الطقس وأهم مواعيدك. قبل أن ترتشف قهوتك، يكون قد اقترح عليك مقطعاً إخبارياً تعوّدت مشاهدته كل يوم.. هذا المشهد اليومي يُجسّد كيف أصبح الذكاء الاصطناعي رفيقاً رقمياً يُسهِّل حياتنا ويجعلها أكثر راحة.
في عام 2025، باتت التقنيات الذكية تحيط بنا.. هواتفنا تعرف مواقعنا وتاريخ بحثنا، والكاميرات الأمنية المنزلية تميّز الوجوه والحركات، ومكبرات الصوت الذكية تنصت لأوامرنا بلطف. صارت الخوارزميات تتوقع احتياجاتنا؛ فالسيارة تقترح أقصر الطرق، والتطبيقات الصحية تراقب نشاطنا البدني وتنبهنا للنوم مبكراً. وحتى في الخفاء، تتولى تقنيات الذكاء الاصطناعي حراسة عالمنا الرقمي؛ فأنظمة الأمن السيبراني تعتمد عليها لاكتشاف الهجمات الإلكترونية مبكراً وحماية بياناتنا. نحن نرحّب بهذه الخدمات لأنها تقدّم لنا «الجواسيس الأصدقاء»- أدوات رقمية ودودة تحرص على راحتنا وتوفّر علينا الجهد.
لكن الوجه الآخر لهذه الرفقة التقنية هو أنها عين رقمية مفتوحة على حياتنا، فالمساعد الذكي الذي يُنصت لأوامرك قد يكون ينصت أيضاً لكل ما يُقال حوله. المعلومات التي تجمعها هذه الأجهزة عنّا هي كنز ثمين، ليس لنا فقط، بل لمن يحاول التجسس علينا أيضاً، حيث كشفت تقارير أن القراصنة باتوا يستغلون الذكاء الاصطناعي أداة تجسس رقمية متقدمة.
مثل هذه التطبيقات يمكن أن تتنصّت على النقاشات الدائرة قرب الهاتف، وتُسجِّل المعلومات الشخصية لتبيعها لشركات إعلانية تستغلها في توجيه إعلانات مصممة خصيصاً لنا. هذه الممارسات تثير تساؤلات جادة حول مدى انتهاك الخصوصية في عصر التقنية الحديث.
لو عدنا عقوداً إلى الوراء لوجدنا أن التجسس كان مهمة محفوفة بالمخاطر، الجاسوس التقليدي كان يضطر للتنكر والتسلل خلف خطوط العدو، مستعداً لإفناء حياته لأجل معلومة واحدة، ماتا هاري، الراقصة الهولندية، اتُّهمت بالجاسوسية وأُعدمت في فرنسا عام 1917 بتهمة نقل أسرار عسكرية.. ضحّت بحياتها في سبيل بضع وثائق سرية. أما اليوم فقد يكون «الجاسوس» مجرد نظام ذكاء اصطناعي يجمع آلاف المعلومات بكبسة زر ومن دون أي مخاطرة بشرية.
إنها حقاً إحدى مفارقات عصرنا: التقنية ذاتها التي تخدمنا أصبحت أداة لمراقبتنا. يبقى السؤال: هل نواصل اعتبار المساعدات الذكية مجرد خدَم رقميين تحت الطلب، أم علينا توخي الحذر من تحولها إلى جواسيس خفيّة؟
*إعلامي
alzarouni X.com@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه