هل أصبحت حرية الاختيار عبئاً

د. كمال عبدالملك

عندما بدأت دراستي الأكاديمية في كندا، طُلب مني اختيار مساقات دراسية من قائمة طويلة تحمل عنوان Electives (المساقات الاختيارية). كان ذلك محيراً ومُربكاً، حيث إن الاختيار في هذه الحالة كان يتطلب معرفة دقيقة بكل مساق، وما يمكن أن يضيفه إلى تخصصي الأكاديمي.

في حياتنا اليومية يبدو كأننا وُجدنا لنختار ماذا نأكل وماذا نلبس وأين نذهب هذه الليلة، والاختيار أصبح تمثيلاً للحرية، حتى وإن كان ذلك الاختيار شكلياً. ذات مرة، أثناء رحلتنا بالطائرة من مونتريال إلى القاهرة، سألنا المضيف: «وجبة دجاج أم لحم؟» وعندما قلنا «دجاج»، ردّ قائلاً: «آسف، نفدت وجبات الدجاج». هنا كان المضيف حريصاً على إيهامنا بأن لدينا خياراً بينما في الحقيقة لم يكن لدينا أي خيار.

يُردّد الناس في بلادنا العربية العديد من الأمثال الشعبية التي تعكس فهمهم لآثار كثرة الخيارات، مثل المثل الخليجي «خيّره وحيّره»، والمثل المصري «اللي عاوز تحيّره خيّره»، والمثل اللبناني «بِدّك تحيّره خيّره».

يبدو أن كثرة الخيارات قد تفضي إلى الحيرة بدلاً من تسهيل اتخاذ القرار. أثارت هذه الفكرة اهتمام د. صوفيا روزنفيلد، أستاذة التاريخ في جامعة بنسلفانيا الأميركية، التي تطرّقت في كتابها «عصر الاختيار» (The Age of Choice) إلى تطور مفهوم الاختيار في الحياة الاستهلاكية والاجتماعية والسياسية، وأكدت أن الاختيار اللامحدود قد يكون عبئاً على الناس.

كما تبين د. روزنفيلد كيف أثّر التسوّق في القرن الـ18 على مفهوم الاختيار، حيث كانت تُعرض سلع اختيارية في المزادات البريطانية، ما يعكس تحول الاختيار من حاجة إلى ترف، وقد أسهمت الحركات السياسية في توسيع مفهوم الاختيار ليشمل التصويت السري الذي يعدّ سمة من سمات الديمقراطية الحديثة.

وفي هذا السياق، تتحدى د. روزنفيلد الفكرة القائلة بأن زيادة الخيارات تُعني بالضرورة مزيداً من الحرية، إذ تؤكد أن المزيد من الخيارات قد يكون محبطاً ويقلّل من فعالية القرار. على سبيل المثال، تعدّد أنواع الأطباق في قائمة الطعام، أو المساقات الجامعية الاختيارية أو أنواع معجون الأسنان قد يكون محيراً ويؤدّي إلى تشتّت الذهن.

في الختام، فإن الادعاء بأن كثرة الخيارات تعني مزيداً من الحرية ليس بالضرورة دقيقاً، ففي بعض الأحيان، تصبح الخيارات عبئاً ثقيلاً ومربكاً، يعوق حريتنا الشخصية ويحدّ من قدرتنا على اتخاذ قرارات حكيمة وواعية.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر