هندسة الدماغ للطفل الأعسر

الدكتور أشرف مصطفى

يتميز دماغ الطفل الأعسر بتركيبته الفريدة والمختلفة التي تسلط الضوء على التنوع المذهل في قدرات الدماغ البشري وهندسته العجيبة، فمن الناحية العلمية يعتمد الطفل الأعسر بشكل أساسي على النصف الأيمن من الدماغ في التحكم بحركاته وتوجيه نشاطاته اليومية، بينما يرتبط النصف الأيسر من الدماغ بوظائف اليد. هذه البنية الدماغية الخاصة تمنح الطفل الأعسر ميزات معرفية مميزة، إذ يكون أكثر قدرة على معالجة المعلومات البصرية والمكانية، والتفكير الإبداعي، وحل المشكلات بطرق غير تقليدية.

وتؤكد العديد من الدراسات والأبحاث أن هذا التوزيع الوظيفي في الدماغ بهذا الشكل الهندسي المتميز يعزز من مرونة التفكير والتواصل بين نصفي الدماغ، ما يفتح المجال لتطوير مهارات استثنائية في مجالات مثل الفن، والرياضيات، والموسيقى، ومع ذلك فإن تميز دماغ الطفل الأعسر لا يقتصر فقط على الإمكانات الإبداعية، بل يتطلب أيضاً دعماً تربوياً لفهم احتياجاته الخاصة ومساعدته على تحقيق أقصى إمكاناته، بل إن هذا التميز الدماغي يتطلب تفهماً ودعماً بيئياً لتطوير مهاراته بشكل صحي، لاسيما أن العديد من الأدوات والتصميمات في الحياة اليومية تُصمم لتناسب مستخدمي اليد اليمنى، ومن هنا تبرز أهمية فهم هندسة الدماغ المعرفية لهؤلاء الأطفال وتقديرها كجزء من التنوع البشري

وهذا ما نؤكد عليه بدورنا كتربويين أن الطفل الأعسر يحتاج إلى بيئة تربوية تدعمه وتعترف بخصوصيته، بل على أولياء الأمور والمعلمين تجنب إجباره على استخدام اليد اليمنى، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على ثقته بنفسه وقدراته.

وبدلاً من ذلك يجب تشجيعه على تطوير مهاراته باستخدام يده اليسرى وتوفير الأدوات المناسبة له، مثل المقصات والدفاتر المصممة للأعسر، مع ضرورة مراعاة التكيف والتوافق مع الأنظمة التعليمية التي تراعي كيفية الكتابة بشكل يناسب الطفل الأعسر لتجنب إجهاد اليد، فالطفل الأعسر ليس مختلفاً بقدر ما هو مميز، ومن خلال التقدير والدعم المناسب يمكن تعزيز ثقته بنفسه ومساعدته على تحقيق إمكاناته الكاملة في بيئة شاملة تحترم التنوع، لذا فإن بناء بيئة شاملة تحتفي بالتنوع، سواء كان في الهيمنة اليدوية أو في أي سمة أخرى، لا يسهم فقط في نمو الطفل الأعسر، بل يعزز من قيم التسامح والتكامل المجتمعي أيضاً، فاحتياجات الأطفال العُسر ليست عقبة، بل فرصة للمجتمع لتبني نهج أكثر شموليةً واحتواءً.

*جامعة الإمارات العربية المتحدة

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر