حوار خيالي بين أندريه بريتون وأدونيس

د. كمال عبدالملك

المكان: تدور الأحداث في غرفة هادئة خافتة الإضاءة، ملأى بالكتب والأوراق وعلى حيطانها لوحات بيكاسو. على طاولة مستديرة، يجلس اثنان من أكثر شعراء ومفكري القرن الـ20 تأثيراً: أندريه بريتون، الأب المؤسس للسريالية، وأدونيس، الشاعر والمفكر السوري المعروف. بينهما شمعة تتراقص ألسنتها، وتربط بينهما علاقة غامضة غير معلنة. يبدأ الحديث بينهما.

أندريه بريتون:

أنت صديقي أدونيس، ترى أن الإبداع هو تمرّد على الواقع، وانفجار اللاوعي. بالنسبة لي السريالية هي بحث عن حقيقة أعمق، تتجاوز مظاهر الواقع.

أدونيس:

أتفق معك، ولكن بالنسبة لي الفعل الإبداعي ليس هروباً من الواقع، بل تفاعل معه. نبحث في الثقافة العربية عن الطبقات العميقة للواقع، عن صراعات الروح العربية مع تقلبات الأزمنة ووعورة الأمكنة. نبحث عن باطن شعري يعكس التوتر بين الوجود واللاوجود. نجتهد في «كشف المحجوب»، كما يقول أبوالحسن علي الهجويري (ت 1072 م).

أندريه بريتون:

نعم الحقيقة مخفية وراء أقنعة المظاهر، لكن كيف نتحدّى العقل المنظم الذي يسعى إلى ترتيب كل شيء؟ الحلم واللاوعي هما المفتاح لفهم الواقع.

أدونيس:

ربما هذا هو جوهر الفكرة. الواقع ليس شيئاً نقبله كما هو، بل يجب أن نعيد تصوره. الشاعر يخلق إمكانات جديدة، ويحرر اللغة من قيودها.

أندريه بريتون:

إذن، نحن نحمل اللواء نفسه، على الرغم من اختلاف المسالك. نريد أن نفتح عيوننا على أفق جديد، وعلى تجربة تنسج واقعاً آخر. من خلال كلماتنا، نفتح نوافذ على عوالم متعددة.

أدونيس:

أتفق معك، فالشعر كالعاصفة التي تهزّ السكون، وتمنحنا رؤى لم تكن في مرمى البصر. الشعر ليس مجرد بصيرة فردية، بل هو إشراق جماعي، ينير دروب الوعي الجمعي. الشاعر لا يبدع وحده، بل يرسم اللوحة ويقف مع قرائه شاهداً على تفاصيلها.

أندريه بريتون:

نعم، نحن نسعى إلى شق الحدود التي تحيط بنا، لخلق فضاء يتناغم فيه الخيال، يطير مثل الطائر الذي يعلو فوق الجبال ولا تثقله القيود.

أدونيس:

تماماً. الشاعر بإبداعه، يعين الثقافة على التقاط أنفاسها، ويسعفها قبل أن تخنقها ترهات العادة وسيطرة المألوف .

يجلس الشاعران في صمت، والشعلة تواصل رقصها في الظلال، بينما يواصلان رحلتهما في البحث عن مفاتيح جديدة لفهم هذا الكون الغامض.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر