الوفاءُ من أخلاق النبوة
تحدثنا السنة والسيرة النبوية كثيراً عن عظيم خُلُق الوفاء لدى نبينا عليه الصلاة والسلام، حتى قال أنس بن زنيم الديلي، رضي الله عنه، في وصفه:
فما حملت من ناقةٍ فوق رحلها * أبرَّ وأوفى ذمَّةً من محمدِ
ما يجعل عقلاء بني الإنسانية يدركون عظمة هذا الخلق الذي كان عليه الصلاة والسلام يتمثَّله أعظم تمثل، فلا يسعهم إلا أن يسعوا لتطبيقه في أنفسهم.
ومن أجلِّ مظاهر وفائه صلى الله عليه وسلم وفاؤه لأزواجه، وعلى رأسهن أم المؤمنين الأولى خديجة بنت خُويلد رضي الله عنها، التي كانت وزيرة صدق، تؤمن به حين كذبه الناس، وتؤنسه عند وحشته، وتفرج عنه عند كربته، وتنفق عليه عند عسرته، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يُكِنُّ لها عظيم الحب والتقدير والوفاء، فقد تزوجها كبيرة السن وهو في ريعان الشباب، ومع ذلك لم يتزوج عليها مدة حياتها حتى اختارها الله تعالى، فحزن عليها حزناً شديداً حتى سُمِّي عام وفاتها ووفاة عمه أبي طالب الذي كان يذود عنه أعداءه ويحميه، سُمِّي «عام الحزن»، وبعد وفاتها ظل وفياً لها، يذكر محاسنها وفضلها، فيقول: «ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء»، ولربما دخلت عليه امرأةٌ من خلائل خديجة رضي الله عنها فيكرمها؛ لأنها كانت صديقة لخديجة، كما ورد «أن امرأة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأدناها، فقيل له في ذلك؟ فقال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»، ولربما جاءته أختٌ لها فيتهلَّل وجهه الشريف، ويقول: «اللهم هالة بنت خويلد».
وهو صلى الله عليه وسلم بهذا يعطي أمته دروساً في الوفاء للزوجات الصالحات اللائي كن كمثل خديجة في الصدق والإخلاص والمعونة لأزواجهن.
وهذا ما تمثله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في وفائه لزوجه المصون، سمو الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم، حيث أشاد بوفائها وحسن عشرتها، حتى جعل ذكرى يوم جلوسه في سُدة الحكم خاصة بها، ليعلم الناس مدى وفائه وتقديره لها، وحُقَّ لها ذلك، فهي التي أنجبت الرجال الشيوخ على كمال النُّبل والكرامة، فضلاً عن سابغ خيراتها، وكثير برها وصالح عملها.
أدام الله عليهما نعمه الظاهرة والباطنة.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه