ضرر ذكي!

محمد نجيب*

المسؤولية المدنية مفهوم أساسي في النظام القانوني يتناول مسؤولية الأفراد والكيانات عن الأفعال والتصرفات التي تسبب إلحاق الضرر بالآخرين.

وفي العصور القديمة كانت المسؤولية المدنية تستند بشكل أساسي لمبدأ «القصاص» وتعويض الضحايا بإلحاق الأذى بالمتسببين في الضرر.

ومع تطور المجتمعات والأنظمة القانونية ظهرت مفاهيم جديدة للمسؤولية المدنية تعتمد على تعويض المتضررين مالياً، ويشمل ذلك أنواعاً عدة من القضايا، كالحوادث المرورية، والأضرار الناجمة عن المنتجات، والإهمال، والتشهير وغير ذلك.

وفي ظل تطور التقنيات الحديثة، والتوسع باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي كبدائل عن البشر في كثير من الأفعال، كالقيادة الذاتية للمركبات على سبيل المثال، يثار نقاش قانوني حول المسؤولية المدنية عن أضرار استخدام الذكاء الاصطناعي، وأركانها.

المادة 282 من قانون المعاملات المدنية تنص على أن «كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر». وبناء على ذلك فإن الأفراد أو الكيانات القانونية مثل الشركات المصنعة أو الموزعة أو غيرها تتحمل مسؤولية الضرر الناتج عن أفعالها، بما في ذلك الناتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي، بشرط وجود علاقة سببية بين الاستخدام والضرر.

وتتضمن التشريعات والقوانين المحلية لبعض البلدان أحكاماً خاصة تنظم المسؤولية المدنية الناتجة عن أضرار الذكاء الاصطناعي في ظل أن المركبات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار دخلت حيز الاستخدام بكثير من الدول، ومنها الإمارات التي تطال بعض تشريعاتها المحلية هذا الجانب ومنها القانون رقم 9 لسنة 2023 بشأن تنظيم تشغيل المركبات ذاتية القيادة بدبي، لكن لم يُسن للآن تشريع اتحادي ينظم هذه المسائل، إذ تعالج قضائياً وفق قانون المعاملات المدنية.

وناقشنا بمقال سابق المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي، وفي ظل ارتباط كثير من المطالبات المدنية بأحكام جزائية نهائية لا مناص من التطرق تفصيلياً إلى الشق المدني، خصوصاً وسط مخاوف متزايدة من استخدام هذه التقنيات في أنماط إجرامية كالاختراق الإلكتروني، وأعتقد أن المشرعين بمعظم الدول مطالبون بتحديث القوانين ذات الصلة لتطبيق المسؤولية المدنية بشكل دقيق.

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر