مؤشرات السعادة في الدول الإسكندنافية
تتمتع الدول الإسكندنافية بسحر لا يُقاوم بفضل جمالها الطبيعي، وسياساتها الاجتماعية المتقدمة، ونمط الحياة الذي يقدم لسكانها سبل الراحة والرفاهية، فالسويد والنرويج والدنمارك في الأغلب تُصور على أنها الجنة الأرضية. أخبرني قريبٌ لي، بعد أن عاش في العديد من البلدان حول العالم، أنه انتقل، أخيراً، من إنجلترا إلى السويد، وأن الحياة هناك هادئة ومريحة للغاية.
فهل هي حقاً كما يظن قريبي؟
تستند الحياة في الدول الإسكندنافية إلى أسس من الرفاهية والعدالة، وهو ما يظهر بوضوح في جميع جوانب الحياة اليومية؛ من الرعاية الصحية المجانية والتعليم الميسّر، إلى التوازن المثالي بين العمل والحياة الشخصية، يعيش سكان هذه الدول حياة عالية الجودة، لذلك ليس من المستغرب أن تكون هذه المنطقة من بين أسعد شعوب العالم وفقاً لمؤشرات السعادة الدولية.
في كل من الدنمارك والنرويج كلمة hygge «هوجا» أصبحت تأخذ شكلاً روتينياً اجتماعياً يمثّله دفء المحبة والشعور بالسعادة الغامرة عند الاجتماع مع الأقارب والأصدقاء، أما في السويد فنجد أنّ فلسفة lagom «لاجوم»، التي تعني «القدر المناسب»، تشكّل جوهر الاعتدال وتجنّب الإفراط، فمن خلال «لاجوم»، يتعلم الناس قيمة «المسار الوسط» يعني التوازن بين الرغبات والحدود المناسبة لإرضائها.
لكن لا يشارك الجميع الرأي نفسه.. قريبي نفسه يُصرح لي بأنه التقى بألمان يعتبرون الحياة في هذه الدول مُمِلّة، حيث يفتقر الإيقاع السريع في المدن الإسكندنافية إلى النشاط الذي يميّز أماكن مثل برلين أو هامبورغ، كما أن الفرنسيين يعبّرون عن خيبة أملهم من المطبخ الإسكندنافي البسيط، الذي لا يضاهي عظمة الطهي الفرنسي، أما أصدقاؤنا من نيوزيلندا فيفتقدون مغامرات البحر وركوب الأمواج، وقد يشعرون بغرابة تجاه التهذيب المبالغ فيه من الإسكندنافيين.
في نهاية المطاف، الحياة في السويد، وفي الدول الإسكندنافية ككل، ممتازة ومذهلة بلا شك.. المفتاح هو إدراك أن «مذهليتها» تتماشى مع قيم وأنماط حياتية معينة، التي قد لا تناسب الجميع، فإذا كنت تتناغم مع هذه الأنماط، فإن الحياة هناك حقاً كما تبدو هي الصورة المثالية للسعادة والرفاهية وراحة البال.
* باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه