تنافسية أسواق العمل

محمد سالم آل علي

لاشك في أن مؤشرات التنافسية العالمية تمثل مرآة تعكس قوة الاقتصادات وريادة المجتمعات، إضافة إلى كونها ترسم خريطة الطريق نحو السياسات والممارسات التي تدفع النمو المستدام، وتضمن المرونة الاقتصادية اللازمة لمواجهة الأزمات والتحديات. والدليل هو أن الباحث عميقاً في تلك المؤشرات سيكتشف عالماً متشابكاً يتألف من 12 محوراً رئيساً، و102 مؤشر فرعي، تغطي جوانب مختلفة، مثل الابتكار والبنية التحتية ومرونة أسواق العمل، إضافة إلى كفاءة المؤسسات؛ ومن بين المؤشرات في هذا الإطار، تبرز مرونة أسواق العمل كعامل أساسي يسلط الضوء على دور رأس المال البشري وآليات سوق العمل في دفع القدرة التنافسية إلى أعلى المستويات.

وبالتفصيل، تكشف المؤشرات العالمية أن البلدان التي تتمتع بأسواق عمل مرنة تميل إلى تحقيق نمو اقتصادي أعلى، وقدرة أكبر على التعافي من الأزمات. ولهذه الديناميكية بُعدان رئيسان؛ فمن منظور المؤسسات، تعمل بيئات العمل المرنة على تعزيز الابتكار والإنتاجية، لانطوائها على ترتيبات تراعي احتياجات الموظفين، وتستثمر فيهم جنباً إلى جنب مع تبنّي أحدث التقنيات.

ومن ناحية أخرى، أي بالنسبة للموظفين، تعمل سوق العمل التنافسية والمرنة على تعزيز قدرتهم على التكيف، ما يجعلهم أصولاً قيمة في مؤسساتهم، ويتيح لهم إمكانية التنقل الوظيفي مدعومين من اكتساب المهارات وثقافة التعلم مدى الحياة. وفي الحقيقة، تلعب السياسات الحكومية دوراً حاسماً هنا، فمن خلال تحويل هذا المؤشر إلى برنامج عمل، ووضع سياسات وقوانين تعزز مرونة تدوير العمالة، وتحقق التوازن بين متطلبات العامل والمؤسسة والدولة، سيُتاح للعمال والموظفين الانتقال بسلاسة بين مختلف المشاريع والمنشآت، مع إمكانية تطوير نماذج عمل تمكنهم من خدمة جهات عدة في وقت واحد، ما يحقق العدالة لجميع الأطراف، ويعزز الابتكار والإنتاجية والمرونة الاقتصادية، ويطوي صفحة البطالة إلى غير رجعة. وأضيف هنا، أن هذا النجاح يتطلب شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، حيث توفر الحكومة الإطار التنظيمي والقانوني والبنية التحتية اللازمة، في حين يتولى القطاع الخاص قيادة التنفيذ والابتكار.

وفي نهاية المطاف، وإن بدت للبعض مجرد أرقام تُقرأ في التقارير، ستبقى مؤشرات القدرة التنافسية حجر الأساس، والفرصة الأهم للتفوق في سباق المستقبل، والتحدي الحقيقي ليس في فهم هذه الأرقام واستيعابها، بل في كيفية تحويلها إلى تغيير مؤثر وقابل للتنفيذ.

* مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر