معرض أبوظبي للكتاب وسوق عكاظ

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تُحدثنا الروايات التاريخية أنه كان في سابق الزمان أسواق ثقافية أدبية، كسوق عكاظ، التي كانت تقام في أرض الحجاز بذلكم المحل المسمى «عكاظ»، وهو موضع قريب من مكة المكرمة، تقام فيه المنابر لشعراء القبائل العربية، يلقون مِن عليها قصائدهم الأدبية الرائعة، ويتفاخرون بمكارم أخلاقهم ومفاخرهم التليدة، أمام نظرائهم وما نسميه اليوم «لجان التحكيم»، تحكم لهذا الشاعر وذلك الخطيب دون ذاك.

ولئن أردنا المحاكاة لتلك الأسواق الأدبية فلن نبعد إن قلنا إن معارض الكتب التي تقام في كثير من البلدان فتقام فيها الندوات الثقافية المتعددة تعطينا صورة مصغرة عن عكاظ، ومجنَّة، وذي المجاز، وغيرها، لاسيما معرض أبوظبي الدولي في دورته الـ33 فإنه كان يعجُّ بهذه الندوات المتعددة الهادفة لنشر الثقافات المختلفة؛ إسلامية، وأخلاقية، وأدبية، وتراثية، وتاريخية، وغيرها، لأن رسالة المعرض ليست فقط عرض كتاب ونشره وتوقيع المؤلفين، فهذا يمكن تحصيله في المكاتب، وعبر الأسواق الإلكترونية، إنما من أهدافه إقامة الندوات بحضور أصحاب التخصصات، ومناقشة الموضوعات المطروحة، فإن هذا هو الذي يثري الثقافة المنشودة للمجتمعات، وهذا ما تهتم به معارضنا على وجه الخصوص، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب بصورة أجلى وأكثر.

لقد شاركتُ في دورة المعرض هذه متحدثاً في ندوتين مساءً وصباحاً، في محورين مختلفين، وكانت الندوات المتعددة كدوي النحل، والراغبون يترددون بين هذه وتلك ليغترفوا ما طاب لهم من المعارف، وهذا هو المقصد من تعددها في وقت واحد، حيث لا حجر على معرفة دون أخرى.

إن إقامة الندوات التثقيفية المعرفية من قبل متأهلين للعطاء والإفادة يعد مطلباً جماهيرياً، لاسيما في هذا الزمن الذي طغت فيه الـ«سوشيال ميديا»، فأفنت أوقات الشباب من الصنفين، وفيها من الآفات ما لا يخفى، فكان لابد من إيجاد بدائل معرفية حقيقية تنهض بمعارفهم، وتنقذهم من وهم الثقافة الوافدة التي له أثر سلبي على سلوكهم.

وينبغي أن تصاحب ندوات معارض الكتاب حملات إعلامية وافية، تستقطب الشباب والكهول على حد سواء، حتى يعرفوا الثقافة الإسلامية والعربية بأدبياتها، وقيمها، وتعدد مشاربها، فلعلها تغنيهم عما يسمعون ويشاهدون من ترَّهات وافدة، وحتى يقبلوا على الكتاب النافع فيقتنونه ويستفيدون منه، وبذلك نحقق لهم معرفة سمعية، وأخرى ورقية، ونكسبهم ثقافة مؤصلة ينتفعون بها في سلوكهم، وينقلونها لمن وراءهم.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر