بين الحب والحرية

د. كمال عبدالملك

في عالم الشعر، تلتقي الأرواح في تجليات متباينة، تختلف في الزمان والمكان والثقافة، لكنها تتحد في مسيرتها الشعرية نحو نقاء التعبير وجمال الفكر. هكذا تظهر قصائد هذين الشاعرين الرومانسيين: البريطاني بيرسي شيلي (ت. 1822) وإبراهيم ناجي (ت. 1953)، كلاهما يغوص في بحر الشعر بروح مثالية تصوغها بلاغة راقية.

يتشابه الشاعران في استخدامهما للصور الحية والمثالية، حيث يعتمدان على جماليات الطبيعة، لنقل رسائلهما العميقة. بينما يصوغ شيلي مناظر طبيعية تعبّر عن الفرح والحزن، يستخدم ناجي صوراً مستوحاة من المشهد المصري.

يتسم شيلي وناجي بآرائهما المثالية، وإيمانهما بقوة الفن في تحقيق التغيير في النفس البشرية. يعبّر شيلي في قصائده عن آرائه الثورية، ويثبت قوة الخيال في خلق عالم أفضل. صاغ شيلي مسرحيته بالشعر «هيلاس» للمساعدة في تمويل الثورة اليونانية ضد الحكم العثماني.

يحتفل ناجي بجمال الحياة والحب، ويعكس ذلك في قصائده التي تتنوّع بين الحنين والشوق. يصف المحبوبة بأبيات تمزج الشوق إليها والشكوى منها، والرغبة في الانعتاق من ربقة الحب إلى فضاء الحرية:

لك إبطاء المذلّ المُنْعم / وتجنّى القادر المحتكم

وحنيني لك يكوي أضلعي/ والثواني جمرات في دمي

أعطني حريتي أطلق يديّ / إنني أعطيت ما استبقيت شيئا

أمّا شيلي فنراه يصف الشاعر بالعندليب الذي يجلس في الظلمة ويغني ليبهج وحدته بأصوات حلوة. ويحث قارئه بقوله: «لا تخش َ المستقبل، ولا تبكِ على الماضي. الشعر مرآة تجمّل ما هو مشوّه. كلما درسنا أكثر، اكتشفنا جهلنا.» وعن التغني بالحزن والإبداع في التعبير عنه: «نحن ننظر إلى الوراء وإلى الأمام، ونشتاق إلى ما ليس حاضرا، ضحكتنا الصادقة ممزوجة برواسب الألم، وأحلى أغانينا هي التي تحكي أحزاننا الضاربة في أعماق نفوسنا».

على الرغم من التشابهات بينهما في الصور الرومانسية والنظرة الى الحب والحرية، فإنهما يختلفان في السياقات الثقافية التي تربيا عليها وكتبا فيها. فشيلي كتب في إنجلترا خلال فترة من الاضطرابات السياسية، بينما كتب ناجي في مصر خلال فترة من التغييرات السياسية والثقافية.

بيرسي شيلي وإبراهيم ناجي يمثلان نمطاً من الشعراء العظماء. أعمالهما تظل فاعلة في إلهام الأجيال وتحفيزها على التفكير والتأمل في جمال الحياة ورونق الوجود.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر