فن ترويض الأزمات

د. بروين حبيب

بلغة الأرقام بلغت كميات الأمطار التي سقطت على إماراتنا الحبيبة في أربعة أيام ستة مليارات متر مكعب. وبلغة الأرقام أيضاً تُعدُّ الأمطار المتساقطة في «منخفض الهدير» الأكبر في تاريخ البلاد منذ 75 عاماً، وذلك منذ بدء تسجيل البيانات المناخية. وبلغة الأرقام ثالثة ما كان يتساقط على دبي في عام كامل من المطر انهمر في مدة لا تتجاوز 12 ساعة فقط.

ولكن مقابل هذه الأرقام المحايدة الباردة التي من المؤكد أن تكون مصدر رعب في أي بلد غير بلد رفع التحديات الكبرى، نجد حقائق أخرى تحوّل المحنة إلى منحة، ويكفي أن نذكر أن الكهرباء والماء والاتصالات لم تنقطع دقيقة واحدة في عزّ ثورة الطبيعة، ورغم السيول والمياه التي غمرت الشوارع لم تتأثر البنية التحتية. بل وعادت الحياة طبيعية في مجملها بعد 24 ساعة فقط.

أما بلغة القلوب فتلك حكاية أخرى عمادها أضلاع مثلث التحدي الثلاثة:

قيادة حكيمة سريعة في اتخاذ القرارات الحاسمة، وإعطاء التوجيهات الصائبة مسخّرة كل إمكانات الدولة لمواجهة الحالة الجوية الاستثنائية لتؤكد فعلاً لا قولاً أن الناس هم أولويتها، وأن العمران لم يكن إلا لخدمة الإنسان.

وعاملون على الأرض من شرطة وبلديات ودفاع مدني سخرت لهم الدولة الإمكانات فوصلوا ليلهم بنهارهم في تنسيق كامل وجهوزية تامة أظهرت احترافية عالية في التعامل مع الطوارئ والأزمات والكوارث، فكانت نتيجة هذا التفاني مذهلة: لا ضحية واحدة في كل ما حدث.

وثالث أضلاع التحدي سكان هذا البلد القادم من كوكب آخر من مواطنين ومقيمين، كانوا على قلب رجل واحد التزاماً بتعليمات القيادة، وثقةً في قراراتها، ومساهمةً في مساعدة الأجهزة العاملة على الأرض، وستبقى في ذاكرة العالم محفورة صورة ذاك الرجل الذي أنقذ قطة معلقة بمسكة باب سيارة ترتجف خوفاً، أو منظر ذلك الشهم الذي نزل تحت المطر الشديد ليرفع من الأرض علم البلد الذي سقطت ساريته ويقبّله ثم يضعه في مكان لائق.

ولاتزال اليد الحانية تمسح آثار الفيضانات، فمؤسسة محمد بن راشد للإسكان تقوم بإعادة تأهيل منازل المتضررين، وتوفير الإيواء العاجل لهم أثناء الصيانة، والمطورون العقاريون وشركات إدارة المجمعات السكنية التزموا بتقديم خدمات للمتضررين، في تجسيد حقيقي لما قاله صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأنّ «الأزمات تظهر معادن الدول والمجتمعات».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر