الريح في قصيدة «سونج يو»

د. كمال عبدالملك

كان غريباً أن أجد هذه القصيدة الصينيّة تتحدث عن ريح ذَكَر وريح أُنثى، وهي قصيدة نثرية للشاعر Sung Yu سونج يو من القرن الرابع ق.م، وأنا هنا أترجمها عن الإنجليزية Knopf ed. 1919:

كان الملك هسيانج ملك تشو يتناول الطعام في قصر برج الأوركيد، برفقة الشاعر سونج يو. فجأة هبّت ريح، ففكّ الملك أزرار ثوبه ليستقبلها، قائلاً: «ما ألطف هذه الريح التي أشارك فيها عامة الشعب!».

أجابه سونج يو: «هذه ريح خاصة بالملك المعظّم، عامة الشعب لا يمكنهم مشاركته فيها».

فقال الملك: «الريح روح السماء والأرض، لا تفرّق بين النبلاء والرعية، كيف يمكنك أن تقول: هذه ريح خاصة بالملك؟ أين تُولَد الريح؟».

أجاب سونج: «تُولَد الريح في تربة الأرض. تصعد من أطراف زهرة البينغ الخضراء، تهبط في وديان الأنهار وتتوجّه نحو فتحة المصبّ، تتتبّع تدحرج صخور جبل تاي، ترقص تحت أشجار الصنوبر والسرو، تدور في هبّات عاصفة، تندفع بغضب هائجة، ترتدّ منخفضة بصوت يشبه الرعد، تهدم الصخور وتقتلع الأشجار، تضرب الغابات والأعشاب.

ولكنها في النهاية تهدأ وتلجأ إلى الأماكن الفارغة، عابرة عتبات الغرف، تصبح بعد ذلك ريحاً أكثر لطفاً ووضوحاً، ثمّ تتغير وتتبدد وتموت. هذه الريح الذَكَر الباردة الواضحة تتحرّر من قيودها، تصعد جدران القلعة، وتدخل حدائق القصر الداخلية، تجعل الزهور وأوراق الشجر بأنفاسها تنحني، تجول بين شجر الأوسمانثوس والفلفل، ترفّ على وجه البِرْكة القَلِق وتختطف روح الورود، تلامس أوراق الصفصاف، تفتّت الأعشاب العطرية، لتصعد إلى القاعة المصنوعة من حجر اليشم، تهزّ الستائر المعلقة وتزحف بهدوء إلى الغرفة الداخلية».

«وهكذا تصبح رياح الملك المعظم: تُنعش من يستنشقها، تُعالج المرض بنغمها الهادئ، تُقوّي البصر والسمع، وتُنشّط الجسم. هذه تُسمّى رياح مَليك البلاد». قال الملك: «لقد وصفتها بشكل جيد. الآن صِفْ لنا رياح عامة الشعب».

قال سونج: «تأتي رياح عامة الشعب من الأزقة الضيقة، محملّة بسحُب من الغبار. تهاجم المنافذ.. تَجوس بين الأشياء القذرة والفاسدة، حتى تصل أخيراً إلى النوافذ المبُلّطة متسلّلة إلى غرف الأكواخ. هذه الريح ثقيلة وكثيفة، تكبّل قلب الإنسان، تجلب الحمّى لجسده، قروحاً لشفتيه، ضبابية لنظره، وسُعالاً يقتله قبل أوانه».

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر