ليلة الإحساس في دبي

د. بروين حبيب

عيون تلمع تتطلع بتركيز إلى مساحة الضوء في المسرح الواسع، أيدٍ تلوّح متمايلة مع الإيقاع المنبعث من جميع جهات الصالة، وألسنة تصدح بكلمات أغاني مطربها القديم منها والجديد، وفنان كبير ينظر إلى جمهوره الذي يشاركه الغناء بدهشة ومحبة. وساعات مقتطعة من زمننا الواقعي يُعدّ الوقت فيها بالأحاسيس لا بالدقائق.. كانت تلك حفلة النجم السعودي عبدالمجيد عبدالله في دبي.

في «كوكا كولا أرينا» هذا الصرح الضخم الذي يحوي أكبر صالة مغلقة للفعاليات والأحداث العالمية في الإمارات والذي منحته شركة «كوكاكولا» اسمها في اتفاقية حصرية لمدة 10 سنوات. ألتفتُ حولي فأرى 17 ألف شخص جاؤوا من أماكن متفرقة من داخل البلد ومن خارجه أغلبهم لا يجاوز الـ30 من عمره، فأتساءل عن السر الذي يجعل من فنان بدأ الغناء قبل ميلاد أغلب الحاضرين يستقطب الآلافَ متهافتين على شراء تذاكر الحفل فتنفد بعد أيام قليلة من طرحها، ويصل سعرها في سوق موازية إلى أضعاف ثمنها، في حين أن البعض الآخر من الفنانين الذين لهم تاريخ غنائي تلغى حفلاتهم لقلة الراغبين في الحضور.

هل هو غياب الفنان عبدالمجيد عبدالله عن الساحة الفنية لسنوات أوقد نار الشوق في قلوب عاشقي فنه فتزاحموا على حضوره؟ أو قدرته على ملامسة أحاسيس الجمهور حتى من جيل الشباب الذين اعتقدنا أن إيقاع العصر السريع وتفاهات «السوشيال ميديا» وصرْعات المؤثرين حالت بينه وبين الكلمة الراقية واللحن الجميل والصوت النابض بالرقة؟

حفل الفنان عبدالمجيد عبدالله في«كوكا كولا أرينا» كان بالنسبة لي دليلاً على أن الفنان الحقيقي يمكن أن يرتقي بجمهوره إليه من دون أن يقدم تنازلات على حساب فنه، وفي تجربة فنانين آخرين كبار دليل أقوى على ذلك، فأغلب أغاني كاظم الساهر مثلاً قصائد باللغة العربية الفصحى ولكنه يستقطب جمهوراً عريضاً من الشباب والصبايا أصبحت علاقتهم بلغتهم ضعيفة، في حين نجدهم يحفظون كلمات أغانيه عن ظهر قلب. وكذلك الحال مع حسين الجسمي بذكائه في اختيار كلماته وإلباسها لحناً يلائمها تجاوز حدود بلده وأصبح رقماً صعباً في العالم العربي كله. والتفسير الطبيعي لهذا أن الفنانين أمثال عبدالمجيد عبدالله وكاظم الساهر وحسين الجسمي عرفوا سر الخلطة الدقيقة بين الكلمة واللحن والصوت وأضافوا لها جرعة قوية من الإحساس المرهف فنتج عن ذلك كائن جميل اسمه أغنية ناجحة يسافر عاشقوها من بلد إلى بلد لسماعها.

ليلة الإحساس في «كوكا كولا أرينا» بدبي ألهبت أيدينا بالتصفيق، وقلوبنا بمشاعر الحب، وألسنتنا بجملة واحدة نقولها لعبدالمجيد عبدالله «رهيب والله رهيب».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر