الزكاة حق اجتماعي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

فرض الله تعالى على عباده المسلمين حقاً اجتماعياً سماه «زكاة»، لما فيه من تزكية النفس من دنس الشح والبخل والأثَرَة، ولما فيه من تزكية للمال، أي نمائه، وهو من الشرائع القديمة في الجملة، إلا أنه في شريعتنا أوفى وأنفع، لأن الله تعالى جعله حقاً لإخواننا المسلمين الذين سماهم فقراء أو مساكين أو غارمين أو في سبيل الله أو أبناء سبيل أو مؤلفة قلوبهم، بما يسمى في الفقه «مصارف الزكاة الثمانية». وكما قال عليه الصلاة والسلام: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»، وقد جعل الله تعالى هذا الحق فرضاً كفرض الصلاة ومقروناً بها في نحو 80 آية، لأن المال ماله سبحانه والخلق فقراؤه، فلابد أن يعطف الغني على الفقير طوعاً أو كرهاً، فليس للمسلم فيه خِيَرة، بل يؤديه طائعاً مبتغياً الأجر والخلف من الله تعالى.

وهؤلاء الأصناف هم الشرائح الأكثر حاجة في المجتمع، وحتى يتكامل المجتمع ويتكاتف فيعيش الجميع في سراء، كما قد يكون مثل ذلك في الضراء، وجعله الله عز وجل حقاً معلوماً، أي مقدراً بالنصاب والقدر الواجب إخراجه لهؤلاء المستحقين، وهذا الحق كافٍ لسد حاجات المجتمع، لو أنه أخرج على الوجه الشرعي، كما ورد «إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم، فإن منعوهم حتى يجوعوا أو يعروا أو يجهدوا حاسبهم الله فيه حساباً شديداً، وعذبهم عذاباً نُكراً».

ولما كان الغرض من هذا الحق سد حاجات المجتمع، وهي حاجات متجددة، لم يجعل له الله تعالى موسماً محدداً كالصيام والحج، بل جعله متجدداً بحسب حال كل مزكٍّ عند حولان حوله أو حصاد ثماره، ليتماشى مع الحاجات الاجتماعية المتجددة، فيحقق التكافل الاجتماعي بين المسلمين أفضل مما تفرضه الأنظمة الحديثة بمسمى الضرائب ونحوها، لما فيه من أريحية النفس في العطاء لكونه عبادة وقربى لله تعالى، ولكونه يقع في يد المستحقين الذين لا يدخرونه، بل يحركون به الاقتصاد بضخه في السوق لشراء حاجاتهم وسداد ديونهم وغير ذلك، فيكون دُولةً بين الناس بما يعود نفعه حتى على المزكي الباذل، لا جرم فهو تشريع من العليم الخبير سبحانه الذي يعلم حاجات عباده وتكفل بأرزاقهم، فعلى المسلم أن يستشعر هذا الحق الاجتماعي العظيم الذي يتحقق به التآلف والتكاتف في المجتمع، ويشبع الفقير، ويأمن الغني، ويسرُّ بالبذل والعطاء لأن يده عليا، ولأنه يجد من يورثه الأجر والجزاء عند الله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر