آن الأوان

إبراهيم استادي

حضرت قبل أسابيع في «السركال أفنيو» عرضاً من سلسلة عروض يسمونها بالإنجليزية «شورت آند سويت»، وهي منافسة تستمر على مدى أسابيع بين عروض تمثيلية مختلفة تقدمها مجموعات من الموهوبين في الدولة، مدة كل منها 10 دقائق، وهذه استراتيجية يتبعونها بحيث إذا لم يعجبك العرض فهو قصير وسينتهي بسرعة، وإذا أعجبك فانتظر المزيد من المسرحيات القصيرة، واللافت أن إقبال الجمهور كان كبيراً جداً في الصالة حتى إن البعض كان ينتظر في الخارج لكي يفرغ أي كرسي.

المثير للاهتمام أيضاً هو أن المسرحيات كانت متنوعة اللغات، وكان الممثلون خليطاً من عرب وأوروبيين وآسيويين منسجمين تماماً في الأداء مع بعضهم، ويقدمون قصصاً متنوعة بين الملهاة والمأساة.

جدير بالذكر أن هذه التظاهرة مستمرة منذ ست سنوات ومازالت، والأجمل من هذا هو وجود أكثر من راعٍ للفعالية، إذ وجدنا عينات من منتجاتهم على مقاعد الحضور كهدية.

مجموعة صغيرة من الشغوفين بالمسرح استطاعوا أن يخلقوا تظاهرة جميلة كهذه ويشركوا جميع الجنسيات في الدولة بفن نبيل يجمع الأفكار والمواهب والثقافات لتنتج عن جهودهم عروض حقيقية ملموسة، تعكس فعلاً روح دبي المتنوعة والملونة، وهم يقدمون لنا مثالاً على أنك لا يجب أن تكون مؤسسة تعيش على دعم حكومي من أجل أن تعمل في المسار الصحيح، فالعمل يعتمد بالدرجة الأولى على عقليات الأفراد قبل أن يكون تحت مظلة مؤسسة أو شركة.

هذه المجموعة تعمل بشكل مستقل تماماً بعيداً عن المهرجانات المسرحية الضخمة في الدولة والفعاليات الثقافية، وهي منفصلة تماماً وكأنها في كوكب آخر، ولا أدري في الحقيقة إن كنا نحن مازلنا في كوكب آخر وهم الذين يعملون على الأرض فعلياً وبكل واقعية.

هذه النوعية من الفعاليات هي التي نحتاج إليها بالفعل للنهوض بالحركة المسرحية، وهذا الطريقة في العمل هي التي نحتاج إليها للنهوض بالحركة الفنية بشكل عام، وهذا لا يعني أبداً أن تفقد الثقافة الإماراتية خصوصيتها، بل بالعكس، إنها فرصة ليقترب الجميع من حقيقة ثقافتنا الإماراتية الجميلة، ويكون ناشراً لها حتى ولو من ثقافات مختلفة.

مهم جداً للمؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية في الدولة أن تضع في عين الاعتبار دائماً الواقع الديموغرافي، وضرورة إشراك الجميع في المسار الذي ترسمه الدولة، وترسيخ وتوحيد رسالتها في ذهن ووجدان الجميع، ولا يوجد أفضل من الثقافة والفنون لتحقيق هذا المبتغى، وآن الأوان لمن يقفون وراء المؤسسات الثقافية أن يطبقوا ذلك بجدية، ويسيروا في هذا الاتجاه.

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر