ضيف غريب في بيتي

د. بروين حبيب

منذ أن أولعت بالحرف، لم أفوّت فرصة لزيارة معارض الكتاب، فهي مواسم فرح لي، ألتقي فيها بكُتّابي المفضّلين وبأصدقائي الممسوسين بهوس القراءة، وأحضر ندوات وأمسيات مع الجمهور أو على المنصّة، دون إغفال السّبب الرئيس، أي التزود بأحدث الإصدارات، وما يهمني لقراءاتي الشخصية أو لبحث أعمل عليه.

ولأجل هذا الإدمان الجميل للقراءة، زرت معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو من أكبر المعارض العربية، سواء من خلال عدد الكتب المعروضة أو الفعاليات المقامة على هامشه. وأثناء زياراتي اليومية للمعرض سألتني صديقة: لماذا لا توفرين على نفسك هذا العناء فتشترين كتبك «أونلاين» وتقرئينها على جهازك دون حاجة لسفر ولا حمل ثقيل، ولا كائنات تتمدد في بيتك باستمرار.

أجبت صديقتي – وما أظنها اقتنعت –: أنا كائن بورخيسي، أتخيل مثله الجنة على هيئة مكتبة، وحين قدمت برنامجي «بين السطور» السنة الماضية في مكتبة محمد بن راشد، كنت أشعر بنفسي جزءاً من المكان، وأنا محاطة بآلاف الكتب مختلفة الألوان والأشكال. أما القراءة على الوسائط الإلكترونية فلي معها قصة، حين أقنعتني ابنة أختي باقتناء جهاز للقراءة، وعدّدت لي مزاياه من تخزين آلاف الكتب فيه، وتغيير ضوء الشاشة وتكبير الحرف وميزة القص واللصق أو الترجمة الفورية عند ربطه بالإنترنت. وهذا ما فعلته فاقتنيت جهاز «كيندل»، لكيلا يشغلني عن القراءة ما في الأجهزة الأخرى من ملهيات. وحتى لا يعتقد القارئ أنني من أعداء التكنولوجيا، أذكّره ألا مشكلة عندي مع الهاتف الذكي ولا «الآيباد»، بل هما جزء من شغلي اليومي. ولكنْ، لوحٌ إلكتروني مخصصّ ليأخذ مكان صداقة امتدت عمراً مع الكتاب الورقي استصعبتها قليلاً. حين دخلت بـ«الكيندل» إلى بيتي لاحظت أنه متضايق قليلاً، ومندهش من مئات الكتب على الجدران تنظر إليه شزراً. ولكني طمأنته أنها غيرة منه فقط، فلا يبالي. وحمّلت فيه كتاباً لأبدأ به، وحين شرعت في القراءة اجتاحتني مشاعر اغتراب كبيرة، أين أوراقي اللاصقة الملونة التي أضعها في ثنايا الكتاب؟ وأين القاطع الكرتوني الجميل الذي أحدد به صفحة توقفي، فأنا لا أحب أن أقلل من احترامي للكتاب بأن أطوي جزءاً من الصفحة؟ افتقدت في هذا الجهاز البارد مشاعر كثيرة: ملمس الورق ورائحته، خشخشة تقليب الصفحات، خربشاتي في فراغات الصفحة معلِّقةً أو مُعجَبةً. اعتذرت بلباقة من هذا الضيف الثقيل، وتذرّعت بأن لي موعداً مع صديق قديم، اتجهت إلى مكتبتي، تناولت منها أقلامي الملونة وقصاصات ورقية وكتاباً، وجلست في مكاني المعتاد، بعد أن شغّلت أغنية نجاة الصغيرة «ورجعت ما أحلى الرجوع إليه».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر