ماثيو أرنولد وعباس العقاد بين الإبداع والنقد الثقافي

د. كمال عبدالملك

على الرغم من اختلاف ثقافاتهما والفترات التاريخية التي عاشا فيها، فإنّ عباس العقاد (ت. 1964) وماثيو أرنولد (ت. 1888) يتشاركان في نظرتهما لأهمية الإبداع الأدبي والنقد الثقافي.

أظهرت الكتابات الواسعة للناقد والشاعر ماثيو أرنولد، تفرّده في ميداني النقد والأدب. صحيح أن معظم أعماله كانت تتناول قضايا التعليم والسياسة، ولكن قيمته تتجاوز تلك الحقول لتلامس جوانب اللاهوت والاتجاه الديني. كان أرنولد شخصية متعددة المواهب، وكان لاعتراف الجمهور به كناقد يفوق تقديرهم له كشاعر، يستغرقون في قراءة مقالاته دون أن يشعروا بأنها لشاعر، ويطالعون أشعاره ولا يدركون أنها لناقد.

من أهم كتبه في النقد: Essays in Criticism (مقالات في النقد) وCulture and Anarchy (الثقافة والفوضى). وفي ما يتعلق بوظيفة النقد في عصره، أعطى أرنولد تعريفاً واسعاً يجسّد الجهد غير المشروط لنشر أفضل الأفكار في العالم. يرى أرنولد دور الناقد في الأساس كإصلاحي يعمل من أجل رفاهية المجتمع بشكل عام، وليس مقتصراً على التحليل الفني للأعمال الأدبية.

وفي نقده للحياة والأدب، يُظهر أرنولد تحيزاته الدعوية والفلسفية وطريقته التعليمية الصارمة. وتبرز أيضاً في فلسفة أرنولد العبارة المأثورة التي تعتبر الأدب «نقداً للحياة». يظهر استخدام هذه العبارة استناداً إلى تصوّراته الفريدة، ما يعكس رؤيته العميقة للحضارة ودور الأديب المبدع في إلقاء الضوء على الأفكار.

أما بالنسبة إلى عباس العقاد، فهو شاعر وناقد نجده في مجالي النقد والأدب يحرص على التقييم والتوجيه أكثر من التفسير والتعليل. في نقده للشعر يظهر تفضيله لشعراء يعبِّرون عن منهجه في الأدب وفلسفته في الحياة.

كان العقاد يكتب مقالاته ويقوم بترجمة بعض الموضوعات لمجلة «فصول». وبفضل إسهاماته الكبيرة، أصبح العقاد واحداً من أهم كُتّاب القرن الـ20 في مصر، حيث أضاف للمكتبة العربية أكثر من 100 كتاب في مجالات مختلفة.

يعتبر العقاد أن الجمال هو الحرية، وأن الصوت الجميل واللوحة الجميلة هما اللذان يعبّران عن هذه الحرية.

في مجال الشعر، وُصِفَ العقاد بأنه ليس من شعراء الوجدان الذين يعتقدون بأن الشعر هو تدفق تلقائي للانفعالات، فقد كانت قصائده تعبّر عن عقلانية صارمة في بنيتها، حيث يدمج بين الفلسفة والشعر بشكل ملفت.

ونخلص هنا بالقول إنه «على الرغم من اختلاف أرنولد والعقاد من حيث المنشأ والتعليم واللغة والثقافة، فإنهما يتشابهان في كونهما بدآ بكتابة الشعر والنقد، ثم اتجها إلى الفلسفة والدين».

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر