غيم الكتابة.. صحو الرُّوح

د. بروين حبيب

حين أنهيتُ قراءة كتاب «غائم جزئياً» للشاعرة والباحثة في التراث الإماراتي شيخة محمد الجابري، غمرني شعور مريح بالنصوص التي وصفتها صاحبتها في عنوان فرعي بـ«شبه يوميات»، فقد كانت وصفة بمقادير سليمة لوجبة مغذية للعقل منشطة للقلب، لكنها ليست دسمة حدّ التُّخمة.

قسّمت المؤلفة نصوصها إلى صفحتين متقابلتين إخراجياً، تحويان أربع فقرات، عنونت الأولى بـ«وقت» عن تاريخ كتابة شبه اليوميات الذي امتد من بدايات 2018 إلى آخر يوم من 2019، أما الفقرة الثانية فأسمتها «نقش» وهي جسم كتابها بنصوص تستغرق الصفحة بكاملها، كتبت فيها تأملاتها حول كثير من المعاني المجردة والحسية، فنقرأ موضوعات عن الشجاعة والحب والسفر والصداقة، لتُلخّص الموضوع بعد ذلك في سطر أو سطرين أشبه بالحكمة أسمته «نبت»، وتحته فقرة عنوانها «نغم»، وهي وصف لأغنية تعبّر عموماً عن الفكرة المطروحة مع ذكر الكاتب والملحن والفنان، مذيّلة في كعب الصفحة برسمة صغيرة لواحد من هؤلاء الثلاثة.

هذا الإخراج الجميل والمختلف لكتاب حمل مضموناً تحفيزياً شبيهاً لما شاع في كتب التنمية البشرية ولكن دون مبالغتها اللاواقعية، إذ إن «غائم جزئياً» دعوة إلى الحب والصداقة والتسامح، فنقرأ جُملاً مثل «في معارك الحياة المختلفة اصنع لنفسك انتصاراً يمنحك السعادة»، أو «نحن لا نختار شكل أو لون صباحاتنا لكننا نملك أن نعيش تفاصيلها»، في تصالح جميل مع النفس. ولا يسير الكتاب على وتيرة واحدة ففيه التفاصيل الصغيرة التي هي مادة اليوميات عادة، فحتى السعال له حضوره حين يكون «الليل في حضرته ممتلئاً بالصخب». وكم من جمل وردت في فقرة «نبت» تشبه الحكم والأقوال المأثورة التي نسجلها في دفاترنا، فنقرأ مثلاً: «الصوت المرتفع يغلق بوابات السمع والوعي»، أو«الفرح حياة تتكئ على صديق نبيل».

ولتكتمل هذه السياحة الطريفة الخفيفة في نصوص شيخة الجابري تذكِّرُنا بأغانٍ كانت محطات في ذاكرتنا الجمعية، تجيد وصفها بأسلوب يغريك بإعادة الاستماع إليها مجدداً، فتصف أغنية «أسمع صدى صوتك مع زحمة الناس» التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بأننا «حين نستمع إليها نشعر بأن الشوق يأكل روحنا من الداخل».

بهذه اللغة التي تقترب من الشعر، بل هي في مقاطع كثيرة الشعر نفسه، كتبتْ شيخة الجابري كتابها لتذكرنا بحقائق نسيناها في عصر اللهاث اليومي. ولتسمح لي بمساحة اختلاف معها حين وصفت الكتب بطرافة بأنها «الصديق الصبور الذي يحتمل تعذيبك له كلما قذفت به من مكان إلى آخر دون أن تلتفت إليه»، فـ«غائم جزئياً» لرهافته لا يستحق التعذيب ولا الإعراض عنه لأنه إضافة إلى المكتبة الإماراتية دون شك.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر