ما غرَّك بربِّك الكريم؟!

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾، هكذا يخاطب الملكُ الحقُّ سبحانه مخلوقَه الضعيف، سواءٌ من نزلت الآية بسببه أم غيره، هذا الإنسان الذي خُلق من ماءٍ مهين، وجُعل في قرار مكين، الذي كان ميْتاً فأحياه، ثم يُميته ثم يُحييه، الذي خلقه فسوَّاه فعدَّله، في أي صورة مَّا شاء ركَّبه، هذا الإنسان الفقير لربه فلا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، الذي يعيش في نعماء ربه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تُستقصى، ها هو يغتر بربه الذي يتودد إلى عبده بالنعم، فيتقرب العبد إليه بالمعاصي، هذا هو الرب سبحانه الذي يغترُّ عبده به فينساه ويجحد ربوبيته ويتنكر لعبوديته له، ويقابل نعماءه بالجحود، هذا هو الإنسان الضعيف الذي يغترُّ بالحياة الدنيا فتنسيه حق ربه عليه، وتُلهيه زخارفها ولهوها وباطلها، ويغره بالله الغرور، هذا هو الإنسان الذي يعدد الله له بعض نعمه ليذكره بنفسه حتى يعلم ضعفه ويتعظ بذلك لعله يرجع إلى ربه عن قريب، فلا يكون من الهالكين؛ لأنه سبحانه رحيم ودود، يتودد لعله يختار النجاة وسواء السبيل، فينال نعماءه في الدنيا وسعادته في الأخرى.

هذا الإنسان الذي يعيش اليوم في غياهب الغفلة عن الله تعالى، وهو منغمسٌ في الشهوات واللذات في عالم الفضاء الإلكتروني بويلاته وفِتنه، وفي عالم الماديات المغرقة التي أنسته ما يجب عليه لنجاة نفسه بخدمتها فيما يُحييها عند ربها، نسي أنه آيبٌ إلى ربه عن قريب، فإن تزود لذلك المآب الذي هو سائر إليه سيراً حثيثاً، ولا يدري متى ينتهي مسيره، لكنه قريب، وها هو يرى السائرين إليه يصلون زُرافاتٍ ووُحداناً، وهو لاحقٌ بهم لا محالة، يراهم قد حطوا رحالهم وليس معهم من الدنيا التي فُتنوا بها شيءٌ، إلا خُريقاتٍ تواري أجسادهم، وعمَّا قريب تَبلى ويعودون تراباً كما كانوا أول مرة.

وهناك سائرون قدموا على الله بما ينفعهم يوم اللقاء، قدموا بمعرفته سبحانه وعبادته، وحسن الظَّن به، فلم يكونوا من صنف المغترين بربهم، قدموا بزاد التقوى تزودوا به في دار العمل، فنالوا به الدرجاتِ العلى، قدموا بأثر صالح يُذكرون به من الخيرات التي تقربوا بها لربهم بنفع بني الإنسان والحيوان، فلم يضع ذلك عند ربهم، فشتَّان بين سائرٍ مُغتر، وسائرٍ عامل بمرضاة ربه، فيا أيها الإنسان لا تغتر بربك ولا تلهك دنياك..

أترضى أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغير زادِ

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

تويتر