التحدي الأصعب

محمد سالم آل علي

لاشك في أن الزراعة هي حجر الزاوية في الحضارة الإنسانية وعلى مر العصور، إلا أن استدامتها تفرض تحديات جمّة، بسبب صعوبة تحقيق التوازن بين إطعام الأعداد المتزايدة من سكان العالم، وفي الوقت نفسه المحافظة على الموارد البيئية والطبيعية، فالزراعة مثلاً هي الأكثر تطلباً للمياه، مقارنة بسائر القطاعات، كما أن استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية في الأنشطة الزراعية، يؤدي إلى تدهور التربة، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المياه، وإذا ما أضفنا إلى ذلك التحديات الاقتصادية والعوائق الاجتماعية المتعلقة بتغيير الممارسات الزراعية القديمة لمصلحة الحلول المستدامة، فسنجد أن القطاع الزراعي، يمثل امتحاناً حقيقياً للاستدامة.

ولمواجهة هذه التحديات، تم تطوير ممارسات زراعية مبتكرة ومستدامة، يجري تنفيذها في جميع أنحاء العالم، وأذكر منها الزراعة العضوية والزراعة الذكية والزراعة العمودية والزراعة المتجددة، وغيرها العديد من التقنيات والحلول، إلا أن ما أريد التركيز عليه اليوم هو الحلول المبتكرة التي تأتي بها دولة الإمارات وتضعها في طليعة رواد الاستدامة، فعلى الرغم من مناخها الجاف ومواردها المائية المحدودة، فإن الدولة قامت بتنفيذ ممارسات زراعية مبتكرة، تجمع بين تعزيز الأمن الغذائي وحماية البيئة، ومثالها الزراعة العمودية التي تعد مستقبل الزراعة المستدامة، بسبب قدرتها على مضاعفة الإنتاج مرات عدة، ومن نفس المساحة أو البقعة من الأرض، وبموارد أقل بكثير أيضاً.

يُضاف إلى ذلك الترشيد في الري، وتطبيق التقنيات العالية التي أكسبت الإنتاج المحلي زخماً كبيراً، فاليوم أصبحت الدولة تنتج مجموعة متنوعة من الخضراوات والفواكه، بل تقوم بالتصدير أيضاً مثل محصول التوت الأزرق الإماراتي الذي انتشر في سائر البلدان حتى في تلك التي تتمتع بمعايير الجودة الأكثر حزماً وصرامة، وهناك أيضاً الابتكارات التي لا تنتهي في إنتاج الغذاء، وهي لا تقتصر هنا على زراعة المحاصيل، بل تمتد لتشمل إنتاج اللحوم والأسماك أيضاً، مثل المشروع المستدام لاستزراع السلمون في صحراء دبي، وأيضاً الممارسات المتطورة لتربية الماشية عبر مناطق الدولة والمستندة إلى تقنيات تحليل البيانات.

إن كل ما ذكرته أعلاه هو غيض من فيض، فهناك مثلاً مبادرات الزراعة المنزلية لتحقيق الاكتفاء، وهناك الدعم والتشجيع الحكومي على شراء المنتجات المزروعة، لتقليل الاعتماد على الواردات وضمان الثبات في الإمدادات الوطنية، فجهود الدولة في مجال الزراعة المستدامة تعد جزءاً رئيساً من استراتيجيتها الوطنية للأمن الغذائي 2051، والتي تهدف إلى أن تكون دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول ذاك العام، وطبعاً ما ذلك سوى استكمال لريادتها العالمية التي نشهدها اليوم في مختلف المؤشرات والمقاييس.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر