الخير والشر في الأدب

د. كمال عبدالملك

تتجسد القوة الإبداعية للأعمال الأدبية في استكشافها العميق والمدهش لصراع الخير والشر، حيث تمتص جاذبيتها من تصادم القوى بين النور والظلام. هذه الثيمة الرئيسة تندرج بعمق في العديد من الروايات والمسرحيات، تروي قصصاً معقدة تستكشف الديناميات الحيوية بين البطل والشرير، مشددة في الوقت ذاته على تعقيدات الاختيارات الأخلاقية داخل هذا النسيج الأدبي.

إن هذه الثنائية تشكل أساس الحوار السردي، موجهة الحبكة نحو نهاية حاسمة. يخلق الصراع بين هاتين القوتين المتناقضتين تفاعلاً مثيراً يلهم القراء عبر الثقافات والأجيال.

مسرحية «دكتور فاوست» لكريستوفر مارلو (ت. 1593)، ورواية «الحالة الغريبة للدكتور جيكل والسيد هايد» لروبرت لويس ستيفنسون (ت. 1894) تُعَدان رموزاً أيقونية، وتتعاملان مع هذا الموضوع العميق. وعلى الرغم من ذلك، تظهرانه بسياقات ورؤى مختلفة. فالرواية والمسرحية كلتاهما تدوران حول الصراع الأخلاقي بين الفضيلة والرذيلة، وتجسدان هذه الأفكار من خلال شخصيات وأحداث مميزة، ما يقدم رؤى فريدة حول ثنائية الطبيعة البشرية.

التشابهات: في «دكتور فاوست»، يقدم مارلو قصة عالم يُبرم صفقة مع الشيطان من أجل الحصول على كمال المعرفة وتمام القوة والتأثير. تستكشف المسرحية الصراع الأخلاقي لفاوست، الذي استمتع بالمعرفة المحرمة، ولكنه لم يتمكن من تجنب سقوطه المأساوي. بالمثل، تصوّر الرواية لستيفنسون محاولات الدكتور جيكل لفصل الجوانب المتضاربة في شخصيته، ما يؤدي في النهاية إلى ظهور السيد هايد، الذي يمثل جانبه الأكثر شراً والأشد ظلاماً. يقوم جيكل بإعداد مصل في محاولة لفصل هذا الشر الخفي عن شخصيته الخيرة، لكنه يتحول إلى هايد الأصغر سناً، الأشد قسوة، صاحب الشر المطلق.

الاختلافات: بينما يستكشف كلا العملين موضوع الثنائية داخل الأفراد، فإنهما يختلفان في تصوير شخصياتهم ودوافعهم. في «دكتور فاوست»، يقدم مارلو فاوست كشخصية يحركها الفضول الفكري والطموح للسلطة، ما يؤدي إلى سقوطه المأساوي بسبب عيبه القاتل - طموحه المفرط. من ناحية أخرى، تركز الرواية التي كتبها ستيفنسون وتصوّر فيها الدكتور جيكل، فرداً في صراع لفصل نفسه الخيرة عن دوافع نفسه الأكثر شراً، ويفشل، ما يسبب آثاراً كارثية.

الفرق الآخر البارز يكمن في تمثيل الشر: في «دكتور فاوست»، يتجسد الشر في شخصية ميفيستوفيليس، مندوب الشيطان، بينما يتحوّل الشر الكامن في داخل الدكتور جيكل إلى تحوّل جسدي في شكل السيد هايد، وبذلك تظهر الرواية أنّ الخير والشر يوجدان في كل واحد منا، منتقدة بذلك النفاق والمعايير المزدوجة في المجتمع.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر