جبر القلوب (3)

الدكتور هشام الزهراني

أختم مقالة «جبر القلوب» بنماذج عملية مارسها البعض مع آخرين، فكان لها أروع الأثر على النفوس، فأطفال يشاركون صاحبهم الذي بترت ساقه لعبة كرة القدم، فيلعبونها بقدم واحدة وعصا يستندون عليها حتى لا يشعر صديقهم بالحزن على حاله وأنه مختلف عنهم.

مريضة سرطان تضطر لحلق شعر رأسها فيبادر زوجها كذلك إلى حلق شعره الوافر مراعاة لمشاعر زوجته.

إنسان يتعثر في الطريق بشكل يبعث على الضحك فيغض المارّ طرفه متجاهلاً وكأنه لم يلحظ عثرته وينصرف وكأن شيئاً لم يحدث.

هذه نماذج جميلة لجبر القلوب وبلسم الجروح.

وقد راعت الشريعة ذلك، فذكر بعض الفقهاء حكمة المنع من استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، فقالوا رعايةً لحال الفقراء لئلا تنكسر قلوبهم.

وفُرضت زكاة الفطر حتى يصبح العيد وجميع الناس عندهم قوت يومهم يفرحون بالعيد، وشرع التصدق بجزء من لحم الأضحية لئلا تنكسر نفوس الفقراء يوم العيد وهي تشاهد الناس تذبح أضاحيها وهو يخرج خالي الوفاض منها.

وقد يكون من كسر القلوب أن تشق على جارك بكرمك الواسع وهو عاجز عن رد الجميل بالمستوى نفسه، ولذا قال محمد بن سيرين: «كانوا يقولون – أي الصحابة - لا تكرم صديقك بما يشق عليه»، وذلك حتى لا ينكسر قلبه إذا لم يستطع أن يقابل تلك الضيافة بمثلها.

وفي المقابل توجد ممارسات على نقيض ذلك كانت قاصمة للظهور مدمية شغاف القلوب مورثة جروحاً غائرة، ولو انتبه قليلاً فلم يكسر القلوب ابتداءً فلن يحتاج إلى تكبد عناء جبرها.

فكم توجعت نفوس من مقاطع مصورة نُشرت بحقهم في أمر لم يفهموه أو شأن أخطأوا التصرف فيه بشكل سبب حرجاً، فلربما كان انتشار ذلك المقطع سبب اكتئابه وعزوفه عن مقابلة الناس ومانعاً له من الاندماج في المجتمع.

ومن كسر القلوب أن تضحك في موقف بكاء الناس أو تحزن في وقت فرحهم، بل تشاركه وجدانك وأحاسيسك بما يناسبه، ولو كنت في نفسك متألماً محطماً فمن مكارم الأخلاق أن لا تُعديَ الآخرين مصيبتك.

وما أجمل ما قاله عمر بن الخطاب حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي هو وأبوبكر الصديق في مسألة وافق فيها قول عمر حكمَ الله تعالى: «فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما».

[لا تكسر قلباً لئلا تحتاج إلى جبره لاحقاً]

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر